عن أبي هريرة، أن رجلاً أتى النبي ﷺ بجارية سوداء، فقال: يا رسول الله، إن علي رقبة مؤمنة، فقال لها: أين الله؟ فأشارت إلى السماء بأصبعها، فقال لها: فمن أنا؟ فأشارت إلى النبي ﷺ وإلى السماء، يعني: أنت رسول الله ﷺ، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة (١).
وجه الاستدلال:
دل منطوق الحديث أن النبي ﵇ أخذ بإشارة الجارية، وحكم عليها بأنها مؤمنة، فإن الإشارة تكون مكان اللفظ إذا كانت مفهومة، وكذلك في عقد النكاح من الأخرس.
قال عبد الله بن حنبل (٢): "سألت أبي عن الأخرس يتزوج، قال: إذا كان يفهم الإشارة أو يفهم ما يدرونه له من التزويج، وكذا إذا طلق أيضًا، قلت لأبي: فإن لم يدر ولم يفهم، قال: لا يتزوج"(٣).
ثالثًا: من المعقول:
• أن إشارة الأخرس المفهومة تقوم مقام نطقه (٤).
• أن النكاح معنى لا يستفادُ إلَّا من جهته، فتصحُّ بإشارتِهِ (٥).
(١) أخرجه أبو داود في "سننه" (٣/ ٢٢٧) برقم: (٣٢٨٤) (كتاب الأيمان والنذور، باب في الرقبة المؤمنة)، والبيهقي في "سننه الكبير" (٧/ ٣٨٨) برقم: (١٥٣٦٧) (كتاب الظهار، باب إعتاق الخرساء إذا أشارت بالإيمان وصلت)، وأحمد في "مسنده" (٢/ ١٦٥٧) برقم: (٨٠٢١) (مسند أبي هريرة ﵁، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (١٢/ ٥٢١) برقم: (٤٩٩٠) (باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله ﷺ مما يقضي بين المختلفين في الرقبة المؤمنة، هل يجزئ فيها من لم يصم ولم يصل ممن قد أقر بالإيمان؟)، والطبراني في "الأوسط" (٣/ ٩٥) برقم: (٢٥٩٨) (باب الألف، إبراهيم بن عبد الله أبو مسلم الكشي). قال الهيثمي: "رجاله موثقون". ينظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (١/ ٢٣)، وقال الذهبي: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيح، رَوَاهُ جمَاعَة من الثِّقَات". ينظر: العلو للعلي الغفار (ص: ١٤). (٢) هو: عبد الله ابن الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، أبو عبد الرحمن الشيباني، روى عن أبيه شيئًا كثيرًا، من جملته: المسند، والزهد، وروى عن يحيى بن معين، وابن أبي شيبة، وخلق غيرهما. وحدث عنه: النسائي، والبغوي، وأبو بكر النجاد، وغيرهم. كان دينًا صادقًا، صاحب حديث واتباع، بصيرًا بالرجال، ثقة صادق اللهجة كثير الحياء، له: الزوائد على كتاب الزهد لأبيه، وزوائد المسند. زاد به على مسند أبيه نحو عشرة آلاف حديث، والثلاثيات، والرد على الجهمية. مات ببغداد سنة ٢٩٠ هـ. ينظر: طبقات الحنابلة (١/ ١٨٠)، تاريخ بغداد (٩/ ٣٧٥)، الجرح والتعديل (٥/ ٧)، المقصد الأرشد (٢/ ٥). (٣) مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله (ص: ٣٤٠). (٤) ينظر: كشاف القناع (٦/ ٤٥٣)، المغني (٧/ ٧٩)، الشرح الكبير (٧/ ٣٧٣). (٥) ينظر: نيل المآرب (٢/ ١٤٤)، المغني (٧/ ٧٩)، الشرح الكبير (٧/ ٣٧٣).