دلت الآية أن الأمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم، وأن يغمضوا أبصارهم عن المحرمات عليهم، قال ابن كثير ﵀: فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد، فليصرف بصره عنه سريعًا (١).
ثانيًا: من السنة:
عن جرير بن عبد الله (٢) قال: سألت رسول الله ﷺ عن نظر الْفُجَاءَةِ (٣)، «فأمرني أن أصرف بصري»(٤).
وجه الاستدلال:
يدل على أنَّ نظرة الفجأة قد تحصل من الإنسان، ولكن تهذيب الشرع للإنسان بالإثم في استدامة النظر؛ فنهى عن ذلك (٥).
ويمكن أن يناقش:
أن أمر النبي ﵇ لصرف نظر الفجأة غير المقصودة عام، ولم يخصص أم المزني بها وابنتها.
ويمكن أن يجاب:
أن أمر النبي ﵇ تشريع، فإن كان الأمر عامًّا فإنَّه يدخل فيه كل نظر يحصل منه في الغالب الوقوع في محظور أو النظر لما لم يحل الشرع إليه، ومن ذلك النظر أم المزني بها وابنتها.
(١) ينظر: تفسير ابن كثير (٦/ ٤١). (٢) هو: صحابي جليل اختلف في اسمه، فقيل: هو جرير بن عبد الله بن جابر، وقيل: جرير بن عبد الله بن مالك بن نصر بن ثعلبة، وقيل: أبو عبد الله اليماني، روى عن النبي ﷺ، وعن عمر بن الخطاب ﵁. روى عنه: ابنه إبراهيم بن جرير بن عبد الله البجلي، وأنس بن مالك ﵁، وابنه أيوب بن جرير بن عبد الله البجلي، نزل الكوفة، أسلم في رمضان سنة عشر، اختلف في وفاته: قيل: توفي سنة ٥١ هـ، وقيل: ٥٤ هـ، وقيل: ٥٦ هـ. ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة (٢/ ١٩٠)، تهذيب الكمال (٤/ ٥٣٣). (٣) الفجأة: (الفجاءة)، بضم الفاء وفتح الجيم وبالمد، ويقال بفتح الفاء وإسكان الجيم، لغتان: هي البغتة. يقال: بغته يبغته بغتًا، أي: فاجأه. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (١/ ١٤٢)، شرح النووي على مسلم (١٤/ ١٣٩). (٤) أخرجه مسلم في "صحيحه" (٦/ ١٨١) برقم: (٢١٥٩)، (كتاب الآداب، باب نظر الفجاءة). (٥) لأنَّ استدامة النظر مكتسبة للإنسان؛ إذ قد يستحسن ما وافقه بصره، فيتابع النظر، فيحصل المحذور - وهو النظر إلى ما لا يحل - ولذلك قال النبي ﷺ لعلي بن أبي طالب ﵁: (لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الثانية). شرح النووي على مسلم (١٤/ ١٣٩).