دَابَّتُه، فَأُسِرَ، فَأُتِي بِهِ إِسْمَاعِيْلُ، فَاعْتَنَقَهُ، وَخَدَمَهُ، وَقَالَ: مَا أَحْبَبْتُ أَنْ يَجرِي هَذَا، ثُمَّ بَالغ فِي احترَامِه، فَقَالَ: احلفْ لِي وَلاَ تُسلمنِي.
فحلفَ لَهُ، لَكِن جَاءَ رَسُوْلُ الْمُعْتَضد بِالخَلْع وَالتقليد لإِسْمَاعِيْل، وَيطلب عَمْراً، فَقَالَ: أَخَاف أَنْ يخرج عَلَيْكُم عَسْكَرٌ يُخلِّصونه، فجَمِيْع عَسَاكِرِ البِلاَدِ فِي طَاعَتِهِ.
لَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ وَمَا كَنَّانِي، بَلْ قَالَ: يَا ابْنَ أَحْمَد، وَاللهِ لَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَعملَ جِسْراً عَلَى نهر بلْخ مِنْ ذَهَبٍ لفعلتُ، وَصِرتُ إِلَيْك حَتَّى آخُذَك.
فكَتَبْتُ إِلَيْهِ: الله بَيْنِي وَبَيْنك، وَأَنَا رَجُل ثَغْرِيٌّ مُصَافٌّ لِلتُّرْكِ، لباسِي الكُردوائِي الْغَلِيظ، وَرِجَالِي خُشْر (١) بِغَيْر رِزْق، وَقَدْ بغيتَ عليَّ، ثُمَّ سَلَّمَهُ إِلَى الرَّسُوْلِ، وَقَالَ: إِنْ حَاربكُم أَحَدٌ لأَجله، فَاذبحوهُ.
فَبقِي يَصُوْمُ وَيَبْكِي، وَيخرج رَأْسه مِنَ العَمَارِيَّةِ، وَيَقُوْلُ لِلنَّاسِ: يَا سَادتِي، ادعُوا لِي بِالفَرَجِ.
فَأُدخل بَغْدَاد عَلَى بُختِيٍّ عَلَيْهِ جُبَّةُ دِيبَاج، وَبُرنُس السُّخطِ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ الْمُعْتَضد: هَذَا بَيْعَتُك يَا عَمْرٍو!
ثُمَّ اعتَقَلَه، فَقَتَلَهُ القَاسِمُ بنُ عبيد الله الوَزِيْرُ يَوْم مَوْتِ الْمُعْتَضد سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَتَيْنِ (٢) .
وَكَانَ دولتُه نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
حَكَى القُشَيْرِيُّ: أَن عَمْرو بن اللَّيْثِ رُئِيَ، فَقِيْلَ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟
قَالَ: أَشرفْتُ يَوْماً مِنْ جبل عَلَى جُيُوْشِي، فَأَعجبنِي كثرتُهُم، فَتمنيتُ أَننِي كُنْتُ حضَرتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنصرتُه وَأَعنته، فَشكر اللهُ لِي، وَغَفَر لِي.
(١) أي: دون ورذالة وسفلة لا غناء فيهم.
(٢) وانظر " الكامل " لابن الأثير ٧ / ٥٠٠ - ٥٠٢ و٥١٦.