مَشْغُوَفاً بِالسَّمَاعِ، وَكَانَ جَعْفَرٌ يُنَادِمُ الرَّشِيْدَ، وَيَأْمرُهُ أَبُوْهُ بِالإِقلاَلِ مِنْ ذَلِكَ، فَلاَ يَسْمَعُ.
وَقَالَ يَحْيَى: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! أَنَا أَكرهُ مدَاخِلَ جَعْفَرٍ مَعَكَ، فَلَو اقْتصرْتَ بِهِ عَلَى الإِمْرَةِ دُوْنَ العُشْرَةِ.
قَالَ: يَا أَبتِ لَيْسَ ذَا بِكَ، بَلْ تُرِيْدُ أَنْ تُقَدِّمَ الفَضْلَ عَلَيْهِ (١) .
ابْنُ جَرِيْرٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ، أَظُنُّه عَنْ عَمِّهِ زَاهِرِ بنِ حَرْبٍ، أَنَّ سَبَبَ هَلاَكِ البَرَامِكَةِ، أَنَّ الرَّشِيْدَ كَانَ لاَ يَصبرُ عَنْ جَعْفَرٍ وَأُخْتِه عَبَّاسَةَ، وَكَانَ يُحْضِرُهُمَا مَجْلِسَ الشَّرَابِ، فَيَقومُ هُوَ،
فَقَالَ: أُزَوِّجُكَهَا عَلَى أَنْ لاَ تَمَسَّهَا.
قَالَ: فَكَانَا يَثملاَنِ، وَيَذْهَبُ الرَّشِيْدُ، وَيثبُ جَعْفَرٌ عَلَيْهَا، فَوَلَدَتْ مِنْهُ غُلاَماً، فَوَجَّهَتْهُ إِلَى مَكَّةَ، فَاخْتفَى الأَمْرُ، ثُمَّ ضَرَبَتْ جَارِيَةً لَهَا، فَوَشَتْ بِهَا، فَلَمَّا حَجَّ الرَّشِيْدُ، هَمَّ بِقتلِ الطِّفلِ، ثُمَّ تَأْثَّم مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا وَصلَ إِلَى الحِيْرَةِ، بَعَثَ إِلَى مَسْرُوْرٍ الخَادِمِ، وَمَعَهُ أَبُو عِصْمَةَ، وَأَجْنَادٌ، فَأَحَاطُوا بِجَعْفَرٍ لِيْلاً، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَسْرُوْرٌ وَهُوَ فِي مَجْلِسِ لَهْوٍ، فَأَخْرَجَهُ بِعُنْفٍ، وَقَيَّدَهُ بقِيدِ حِمَارٍ، وَأَتَى بِهِ، فَأَمرَ الرَّشِيْدُ بِقَتْلِهِ (٢) .
وَعَنْ مَسْرُوْرٍ قَالَ: وَقَعَ عَلَى رِجْلِي يُقَبِّلُهَا، وَقَالَ: دَعْنِي أَدخلُ فَأُوصِي.
قُلْتُ: لاَ سَبِيْلَ إِلَى ذَا، فَأَوصِ بِمَا شِئْتَ.
فَأَوْصَى، وَأَعتقَ مَمَالِيْكَهُ، ثُمَّ ذَبَحْتُهُ بَعْدَ أَنْ رَاجعتُ فِيْهِ الرَّشِيْدَ، وَجِئْتُهُ بِرَأَسِهِ.
وَوجَّهَ الرَّشِيْدُ جُنْداً إِلَى أَبِيْهِ، فَأَحَاطُوا بِهِ وَبأَوْلاَدِهِ وَمَوَالِيْه، وَأُخِذَتْ أَمْوَالُهُم وَأَملاَكُهُم، وَبُعِثَتْ جُثَّةُ جَعْفَرٍ إِلَى بَغْدَادَ، فَصُلِبَ، وَنُودِي: أَلاَ لاَ أَمَانَ لِمَنْ آوَى
(١) " تاريخ الطبري " ٨ / ٢٩٣.(٢) " تاريخ الطبري " ٨ / ٢٩٤، ولا يصح، فإن أحمد بن زهير، وعمه زاهر لا يعرفان.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute