وقول معمر في {ذَلِكَ الكِتَابُ}[البقرة: ٢]: هو القرآن. هو قول عكرمة وأبي عبيدة (٢)، وفسر (ذلك) بهذا و (ذلك) مما يخبر به عن الغائب، و (هذا) إشارة إلى الحاضر والكتاب حاضر، ومعنى ذلك أنه لما ابتدأ جبريل بتلاوة القرآن لمحمد - عليهما السلام - كفت حضرة التلاوة عن أن يقول هذا الذي تسمع هو {ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيه}[البقرة: ٢] فاستغنى بأحد الضميرين عن الآخر.
وأنكر أبو العباس مقالة أبي عبيدة السالفة وقال: لأن (ذلك) لما بَعُد و (ذا) لما قرب فإن دخل واحد منهما على الآخر انقلب المعنى، قال: ولكن المعنى: هذا القرآن ذلك الكتاب الذي كنتم تستفتحون به على الذين كفروا.
وقال الكسائي: كأن الرسالة والقول من السماء و (الكتاب)(٣) والرسول في الأرض، وقال: ذلك يا محمد.
قال ابن كيسان: وهذا أحسن.
قال الفراء: يكون كقولك للرجل وهو يحدثك: وذلك -والله أعلم- الحق، فهو في اللفظ بمنزلة الغائب وليس بغائب، والمعنى عنده ذلك الذي سمعت به (٤).
(١) من (ص ١). (٢) أثر عكرمة رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٣ وذكره النحاس في "معانيه" ١/ ٧٨، وانظر قول أبي عبيدة في "مجاز القرآن" ١/ ٢٨. (٣) من (ص ١). (٤) انظر: "معاني القرآن" للنحاس ١/ ٧٨ - ٧٩.