وقال القاضي عياض: لم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه اعتكف بغير صوم، ولو كان جائزًا لفعله تعليمًا للجواز، وهو عمل أهل المدينة (١).
قالوا: ويجاب عن حديث ابن عباس بأمور: منها: أن السوسي تفرد به (٢)، ولم يحتج به أهل الصحيح، فلا يعارض حديث عبد الرحمن بن إسحاق (٣) المحتج به في الصحيح (٤).
ثانيها: أسلفنا عن ابن عباس اشتراط الصوم (٥)، والراوي إذا عمل بخلاف ما روى قدح ذَلِكَ في روايته عند الحنفية (٦).
ثالثها: القول بموجب الحديث، وهو أن الهاء عائدة على الاعتكاف دون الصوم؛ لأنه أكثر فائدة: ولأن وجوب المنذور بالنذر معلوم والخفاء في وجوب غير المنذور بالنذر، فكان حمله على الأكثر فائدة أو يحتمل فيحمل عليه توفيقًا بين الحديثين.
رابعها: نقول إنه محمول على الحض والندب، وحديث عمر محمول على أنه كان نذر يومًا وليلة، وهو في مسلم: أعني يومًا (٧).
(١) "إكمال المعلم" ٤/ ١٥٠. بتصرف. (٢) قلت: لم يتفرد به، بل تابعه أحمد بن محبوب الرملي، عند الحاكم ١/ ٤٣٩. والبيهقي ٤/ ٣١٨ - ٣١٩، وإنما المنفرد به هو شيخهما عبد الله بن محمد الرملي، وتقدم قريبًا الكلام عن هذا الحديث فليراجع. (٣) هو حديث أبي داود (٢٤٧٣) المتقدم تخريجه قريبًا. (٤) قلت: استشهد به البخاري في ثلاثة مواضع من "صحيحه" فيما سيأتي (٢٢١٤، ٣٣٥٦، ٤٨٩١) وروى له مسلم حديثًا واحدًا (٢٢٢٥). وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" ١٦/ ٥١٩ (٣٧٥٥). (٥) تقدم تخريجه. (٦) انظر: "المبسوط" ٣/ ١١٥ - ١٦٦. (٧) مسلم (١٦٥٦/ ٢٨).