كان حكمُ الصِّيامِ عند مريم وأهل زمانها عدم الكلام في الصوم متعارفًا بينهم، قَالَ تعالى:{إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إِنْسِيًّا}[مريم: ٢٣] قَالَ زيد بن أسلم: كانت بنو إسرائيل يصومون بالكلامِ كما يصومون من الطعامِ، ولا يتكلمون إلا بذكر اللهِ تعالى.
وقال ابن جريج: قلت لعطاء: أبلغك أنه يؤمر الإنسان إذا دعي إلى طعامٍ أن يقول: إني صائم؟ ثم ذكر حديث أبي هريرة (١).
وروي عن ابن مسعود: إذا دعى أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل إني صائم (٢)، وقاله قتادةُ والزهري (٣).
والخلوف، بضم الخاء عَلَى الصواب، وهو تغير رائحة الفم، وكثير يروونه بفتحها. قَالَ الخطابي: وهو خطأٌ؛ لأن المصادر التي جاءت عَلَى فعول بفتح الفاء قليلةٌ ذكرها سيبويه وليس هذا منها، وإن كان فعله بالإسكان في المصادر أيضًا قليلة يقال: خلف فوه، يخلفُ وأخلف يُخلف إذا تغير (٤).
وفي كتاب ابن الجُوزي: لخلوف فم الصائم: إذا هو أخلف. وقال: كذا
في كتابي: من أخلف وهو لغة، واللغة المشهورة: خلف. ولم يزد ابن بطال عَلَى قوله: يعني تغير رائحته في آخر النهار؛ لأن الفم يتغير بترك الطعام (٥).
(١) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٤/ ١٩٤ (٧٤٥٦) كتاب: الصيام، باب: الرفث واللمس وهو صائم. (٢) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٤/ ٢٠٠ (٧٤٨٣) كتاب: الصوم، باب: الرجل يدعى إلى طعام وهو صائم، وابن أبي شيبة ٢/ ٣١٨ (٩٤٣٩، ٩٤٤٢)، والبغوي في "مسند ابن الجعد" (٢٥٥٢)، والطبراني ٩/ ٣١٥ (٩٥٧٨). (٣) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٤/ ٢٠٠ (٧٤٨٢) كتاب الصوم. (٤) "إصلاح غلط المحدثين" للخطابي ص ١٠٢ بتصرف. (٥) "شرح ابن بطال" ٤/ ١٢.