هذِه الجهة كان مستقبلًا البيت، وقيل: لأنه - عليه السلام - لمَّا خرج مختفيًا أراد أن يدخلها ظاهرًا عاليًا. وقال المهلب: إنما فعله؛ ليعلم الناس السعة في ذلك، وأن ما يمكن له منه فمجزئ عنهم، ألا ترى أن عروة كان يفعل ذلك. وقال غيره: ليتبرك به الطريقان، أو ليغيظ المنافقين بظهور الدين وعز الإسلام، أو تفاؤلًا بتغير الحال، أو ليشهد له الطريقان كما في العيد (١).
قلت: وروى الطبراني في "الأوسط" عن العباس أنه - عليه السلام - لما بعث، قال العباس لأبي سفيان بن حرب: أسلم بنا. فقال: لا والله حتى أرى الخيل تطلع من كداء. قال العباس: قلت له: ما هذا؟ قال: شيء يطلع بقلبي؛ لعلمي أن الله لا يطلع الخيل هناك أبدًا. قال: فلما طلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هناك ذكرت أبا سفيان به، فذكره.
وروى البيهقي من حديث ابن عمر أنه - عليه السلام - قال لأبي بكر:"كيف قال حسان بن ثابت؟ " فأنشد:
عدمت بنيتي إن لم يروها … تسير النقع عن كنفي كداء
فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:"ادخلوها من حيث قال حسان"(٢)، ومن حديث عروة نحوه، وأجاب كعب بن مالك أبا سفيان بقوله:
فلا تعجل أبا سفيان وارقب … جياد الخيل تطلع من كداء
(١) دل على ذلك حديث سبق برقم (٩٨٦) كتاب: العيدين، باب: من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد. (٢) "دلائل النبوة" ٥/ ٤٨ - ٤٩.