وقال آخرون: الفطرة هنا: الإسلام، وهو المعروف عند السلف من أهل العلم بالتأويل، فإنهم أجمعوا في قوله تعالى:{فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[الروم: ٣٠]. قالوا: هي دين الإسلام، واحتجوا بقول أبي هريرة اقرءوا إن شئتم:{فِطْرَتَ اللهِ} الآية. وبحديث عياض السالف. وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس من الفطرة" فذكر قص الشارب والاختتان وذلك من سنن الإسلام، وإليه ذهب أبو هريرة وعكرمة والحسن وإبراهيم والضحاك وقتادة والزهري، وعلى هذا معنى قوله:"بهيمة جمعاء" يقول: خلق الطفل سليمًا من الكفر مؤمنًا مسلمًا على الميثاق الذي أخذ على الذرية {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}[الأعراف: ١٧٢] قَالَ: ويستحيل أن يكون على الفطرة هنا الإسلام؛ لأن الإسلام والإيمان: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، وهذا معدوم في الطفل.
وقال آخرون: معنى الفطرة هنا: البداءة التي ابتدأهم عليها أي: على ما فطر الله تعالى عليه خلقه من أنه ابتدأهم للمحيا والموت والسعادة والشقاوة، وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ من [ميولهم عن](١) آبائهم واعتقادهم، وذلك ما فطرهم عليه مما لا بد من مصيرهم إليه، وكأنه قَالَ: كل مولود يولد على ما ابتدأه الله عليه. واحتجوا بما رواه مجاهد، عن ابن عباس قَالَ: لم أدر ما {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ}[فاطر: ١] حَتَّى أتى أعرابيان يختصمان في بئر، فقَالَ: أحدهما أنا فطرتها أي: ابتدأتها (٢).
(١) زيادة يقتضيها السياق، أثبتناها من "التمهيد" ٦/ ٣٦٠. (٢) رواه الطبري في "تفسيره" ٥/ ١٥٨ (١٣١١٤)، والبيهقي في "شعب الإيمان" ٢/ ٢٥٨ (١٦٨٢) باب: في طلب العلم، وابن عبد البر في "التمهيد" ٦/ ٣٦٠.