يحتمل -كما قال القاضي- أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقًا للملائكة السفرة؛ لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله، قال: ويحتمل أن يكون المراد به عامل عملهم وسالك مسلكهم (١).
وقد أسلفنا ذلك أيضًا في تفسير سورة عبس.
فصل:
وكأن البخاري -رحمه الله- أشار بهذِه الترجمة وما ضمنها من الأحاديث في حسن الصوت، إلى أن الماهر بالقران هو الحافظ له مع حسن الصوت (به)(٢) ألا تراه أدخل بإثر (ذلك)(٣) الماهر قوله - عليه السلام -: "زينوا القرآن بأصواتكم" فأحال على الأصوات التي تتزين بها التلاوة في الأسماع لا الأصوات التي تمجها الأسماع؛ لإنكارها وجفائها على حاسة السمع وتألمها بفزع الصوت المنكر، وقد قال تعالى:{إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}[لقمان: ١٩]؛ لجهارته -والله أعلم- وشدة قرعه للسمع، وفي إتباعه أيضًا بهذا المعنى قوله:"ما أذن الله لشيء" ما يقوي قولنا ويشهد له.
وقد تقدم معناه في كتاب: فضائل القرآن ونزيده هنا وضوحًا، فنقول: إن الجهر المراد بقوله: "يجهر به". هو إخراج القرآن في التلاوة عن مساق المحادثة بالأخبار بإلذاذ أسماعهم بحسن الصوت
(١) "إكمال المعلم" ٣/ ١٦٦. (٢) من (ص ١). (٣) هكذا في الأصل، وفي "شرح ابن بطال" ١٠/ ٥٤٢: ذكر.