(عقب)(١) ذَلِكَ: الصلاة يا رسول الله. ومحال أن يقول لَهُ: الصلاة، ولم يتوضأ وضوء الصلاة، وأبعد من قَالَ: إنما لم يسبغه؛ لأنه ج يرد أن يصلي به، ففعله ليكون مستصحبًا للطهارة في مسيره، فإنه كان في (عامة)(٢) أحواله عَلَى طهر. وقال أبو الزناد: إنما لم يسبغه ليذكر الله؛ لأنهم يكثرون منه عشية الدفع من عرفة.
وقال غيره: إنما فعله؛ لإعجاله الدفع إلى المزدلفة، فأراد أن يتوضأ وضوءًا يرفع به الحدث، لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - لا يبقى بغير طهارة، وكذا قَالَ الخطابي: إنما ترك إسباغه حتَّى نزل الشعب؛ ليكون مستصحبًا للطهارة في طريقه، وتجوّز فيه؛ لأنه لم يرد أن يصلي به، فلما نزل وأرادها أسبغه.
وقوله: ("الصَّلَاةُ أَمَامَكَ") أي: سنة الصلاة تأخير المغرب إلى المزدلفة؛ لتجمع مع العشاء. وقال الخطابي: المراد أن موضع هذِه الصلاة المزدلفة، وهو أمامه. قَالَ: وهو تخصيص لعموم الأوقات المؤقتة للصلوات الخمس بفعله - صلى الله عليه وسلم - (٣). وفيما قاله من التخصيص نظر، ولم يعلم أسامة هذِه السنة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - أول من سنها في حجة الوداع.
وقوله:(ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ)، كأنهم فعلوا ذَلِكَ خشية ما يحصل منها من التشويش بقيامها.
السادس: في فوائده:
الأولى: جمع التأخير بمزدلفة وهو إجماع (٤)، لكنه عند جمهور أصحابنا بسبب السفر، فالمزدلفي لا يجمع، وعند أبي حنيفة ومالك
(١) في (ج): عقيب. (٢) في (ج): غاية. (٣) "أعلام الحديث" للخطابي ١/ ٢٣٤ - ٢٣٥. (٤) نقله ابن عبد البر في "الإجماع" ص ١٦٩ مسألة (٣٧١).