قلت: قد جاء في كلامهم تذكير الفعل عند إسناده إلى المؤنث الحقيقي فحكى سيبويه عن بعض العرب: قال فلانة (١)، وما قيل: إنه ضرورة لا يصح؛ لأن الشاعر كان يمكنه أن يقول: دعتني فلا ضرورة فيه؛ لأن الوزن لا يتغير، ويروى: دعاء العذارى، وهكذا رواه أبو علي على إضافة المصدر إلى فاعله وحذف المفعول الأول، والتقدير: دعاء العذارى إياي عمهن، والمعنى: وتسميتهن إياي عمهن.
وقد قيل: إن الأكثر أن ينشد: دعائي العذارى، فتضيف المصدر إلى المفعول الأول، و"عمهن": هو المفعول الثاني، و"العذارى": فاعل.
فإن قيل: على هذا كيف يقرأ دعاء العذارى؟
قلتُ: بالنصب؛ لأن معناه: أنكرت دعاء العذارى إياي عمهن وتركهن اسمي الذي كنت أُدعي به وأنا شاب.
قوله:"وخلتني" بضم التاء، أي: وخلت نفسي، وفيه اتحاد الفاعل والمفعول ضميرين متصلين لمسمى واحد، وهو من خصائص أفعال القلوب (٢)، قوله:"لي اسم" أي: غير ذلك، و"اسم": مبتدأ، "ولي": مقدمًا خبره، قوله:"وهو": مبتدأ، و"أول": خبره والجملة حال.
الاستشهاد فيه:
في قوله:"وخلتني" فإن خال فيه بمعنى اليقين، والمعنى: تيقنت في نفسي أن لي اسمًا وليس هو بمعنى الظن؛ لأنه لا يظن أن له اسمًا بل يتيقن ذلك (٣).
(١) الكتاب لسيبويه (٢/ ٣٨). (٢) قال الزمخشري في حديثه عن خصائص أفعال القلوب: "ومنها أنك تجمع فيها بين ضميري الفاعل والمفعول فتقول: علمتني منطقًا ووجدتك فعلت كذا ورآه عظيمًا"، ينظر المفصل في علم العربية (٢٦٢)، ط. دار الجيل، وشرح ابن يعيش (٧/ ٨٨)، وشرح التسهيل لابن مالك (٢/ ٩٢). (٣) ينظر الشاهد رقم (٣٣٧).