الشاهد السادس والأربعون بعد المائة والألف (١)، (٢)
فلوْ نُبِشَ المَقابرُ عن كُلَيبٍ … فَيُخْبَرَ بالذنائبِ أيُّ زِيرٍ
بيومِ الشَّعْثَمَيِنْ لَقَرَّ عَينًا … وكيف لِقَاءُ منْ تَحْت القبورِ؟
أقول: قائلهما هو مهلهل بن ربيعة الجشمي شاعر جاهلي، واسمه امرؤ القيس، وهما من قصيدة طويلة من الوافر، وأولها هو قوله (٣):
١ - ألَيلَتَنَا بِذِي حُسَمٍ أَنِيرِي … إذَا أنْتِ انْقَضَيتِ فَلا تَحُورِى
٢ - فإنْ يَكُ بالذَّنَائِبِ طَال لَيلِي … فقَدْ أَبْكِي مِنَ اللَّيلِ القَصِيرِ
إلى أن قال:
٣ - كواكب ليلَة طَالت وعَمَّت … فهذَا الصُّبحُ صاعِرة فَغُورِي
٤ - فلو نُبِشَ المَقَابِر ........ … ..................... إلخ
٦ - وإني قَدْ تَرَكْتُ بِوَارِدَاتٍ … بُجَيرًا فيِ دَمٍ مِثْل العَبِيرِ
٧ - هَتَكْتُ بِهِ بُيوتَ بَنِي عُبَادٍ … وبَعضُ القَتْلِ أشْفَى لِلصُّدُور
٨ - وهَمَّامُ بنُ مُرَّةَ قَدْ تَرَكْنَا … عَلَيهِ القَشْعَمَانِ مِنَ النُّسُورِ
قال مهلهل هذا الشعر لما أدرك بثأر أخيه كليب واسمه كليب، وائل، وكنيته: أبو الماجدة، وإنما لقب كليبًا بالجرْو الذي أعده، فقال: فلو نبش المقابر عن كليب، وأراد بكليب أخاه.
قوله: "فيخبر بالذنائب أي زير" قال القالي: تقديره: فيخبر بالذنائب أي زير أنا، و "الزير": بكسر الزاي المعجمة وسكون الياء آخر الحروف، يقال: رجل زير نساء إذا كان يكثر زيارتهن، وكذلك يقال: هذا حِدْث نساء وهو الذي يكثر التحدث إلى النساء، وذلك أن كليبًا كان يعيره فيقول: إنما أنت زير نساء، وأراد بـ: "الشعْثمين " شعثمًا وشعيثًا ابني معاوية بن عمرو بن هقل بن ثعلب، واسم شعثم حارثة.
(١) توضيح المقاصد (٤/ ٢٧٠).
(٢) البيتان من بحر الوافر، من قصيدة قالها مهلهل بن ربيعة مفتخرًا لما أدرك ثأر أخيه كليب، وانظر الشاهد في تذكرة النحاة (٧٢)، والخزانة (١١/ ٣٠٥)، واللسان: "ذنب"، والجنى الداني (٢٨٩)، والمغني (٢٦٧)، والارتشاف (٢/ ٥٧٦)، وشرح أبيات المغني (٥/ ٦٧)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (٤٤٧).
(٣) انظر الأبيات منسوبة لقائلها ومناسبتها بالتفصيل في كتاب الأغاني لأبي الفرج (٥/ ٥٣ - ٥٩) نسخة دار الكتب، وكذا في الخزانة (١١/ ٣٠٥).