عَلَفْتُهَا تِبْنًا وماءً باردًا … حتى شتتْ همّالةً عيْنَاهَا
أقول: هذا رجز مشهور بين القوم، ولم أر أحدًا عزاه إلى راجزه.
والضمير المنصوب في "علفتها" يرجع إلى الدابة التي يريدها الراجز, قوله:"حتى شتت" ويروى: حتى بدت، ومعناهما واحد, قوله:"همالة": من هملت العين إذا همرت، يعني: صبت دمعها.
الإعراب:
قوله:"علفتها": جملة من الفعل والفاعل والمفعول، وقوله:"تبنًا": مفعول ثان "وماء": عطف عليه، و "باردًا" صفته, قوله:"حتى": للغاية، والمعنى إلى أن شتت، و"شتت": فعل ماض، و"عيناها": كلام إضافي فاعله، و "همالة" نصب على التمييز (٣).
الاستشهاد فيه:
في عطف الماء على التبن فلا يصح أن يقال: الواو (٤) في قوله: "وماء" للمعية والمصاحبة؛ لانعدام معنى المصاحبة، ولا يشارك قوله:"وماء" فيما قبله، فتعين أن ينتصب بفعل مضمر يدل عليه سياق الكلام، وهو أن يقال: التقدير: علفتها تبنًا وسقيتها ماء.
وقال ابن عصفور: إنهم ذهبوا إلى أن الاسم الذي بعد الواو معطوف على الاسم الذي قبلها ويكون العامل [في الاسم](٥) الذي قبل الواو قد ضمن في ذلك معنى يتسلط على الاسمين، فيتضمن علفتها معنى أطعمتها؛ لأنه إذا علفها تبنًا فقد أطعمها، وكأنه قال: أطعمتها تبنًا وماء، ويقال: أطعمته ماء، قال اللَّه ﷾: ﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ [البقرة: ٢٤٩](٦).
(١) ابن الناظم (١١٣)، وأوضح المسالك (٢/ ٥٦)، وشرح ابن عقيل (٢/ ٢٠٧). (٢) البيتان من بحر الرجز المشطور بلا نسبة في الخصائص (٢/ ٤٣١)، والدرر (٦/ ٧٩)، وشرح التصريح (١/ ٣٤٦)، والإنصاف (٣٥٧)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (١١٤٧)، وشرح شواهد المغني (١/ ٥٨)، والمغني (٦٣٢)، وهمع الهوامع للسيوطي (٢/ ١٣٠)، والخزانة (٣/ ١٣٩)، ولهما رواية غير ذلك وهي: لما حططت الرحل عنها واردًا … علفتها تبنًا وماء باردًا (٣) نقد صاحب الخزانة العيني في هذا البيت في موضعين وهما: أن شتت بمعنى بدت، وإعرابه همالة تمييزًا، ثم قال: إن شتت بمعنى: أقامت شتاء، وهمالة حال. الخزانة (٣/ ١٤١). (٤) في (أ): إن الواو. (٥) ما بين المعقوفين سقط في (ب). (٦) ينظر ما قاله في شرح الجمل "الكبير" (٢/ ٤٥٣) حول قول الشاعر: "وماء باردًا"، وينظر معه شرح المقرب =