[أقول: لم أقف على اسم راجزه، قال أبو الفتح في شرح ديوان المتنبي: يقال: لمَ فعلت؟ ولم فعلت؟ قال الراجز:
يا فَقْعَسِي لِمْ أكلته لِمَهْ … لو خافك اللَّه عليه حرمه
وذكر بعض الفضلاء أن الضمير المنصوب في قوله:"لم أكلته" يرجع إلى الكلب؛ يعني كلبًا أكله هذا الإنسان، فقال: لو خافك اللَّه، فأجاز على اللَّه -سبحانه الخوف- تعالى اللَّه عن ذلك-، وعلى هذا عادة الجهلاء من العرب مما يجوزون أن يوصف به اللَّه -تعالى- مما لا يجوز أن يوصف به؛ كما قال قائلهم (٣):
لا هُمَّ إن كنتَ الذي كَعَهْدِي … ولمْ تُغَيّرْكَ الأُمورُ بعدي
فجعله -تعالى- مما يجوز عليه التغير وتعاقب الأمور -تعالى اللَّه عن ذلك-، ومنهم من خرجه تخريجًا حسنًا يسلم هذا الشاعر من هذه الغلطة، وهو أنه يخاطب الفقعسي ثم عدل عن خطابه إلى خطاب اللَّه تعالى على عادة لهم في ذلك مشهورة، فقال: لو خافك اللَّه، وأراد: يا أللَّه، فحذف حرف النداء؛ كما في قوله تعالى: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ﴾ [يوسف: ٤٦] أي: يا يوسف.
والمعنى: لو خافك يا أللَّه على نفسه من أن تعاقبه على جرمه لحرم هذا المأكول الذي حرمته ولم يقربه، وضمير الهاء في:"عليه" يرجع إلى الفقعسي؛ كما يقال: أخاف فلانًا على نفسي، وضمير الهاء في "حرمه" يرجع إلى المأكول؛ فالضميران مختلفان وباختلافهما يتم المعنى الذي قصده، ووقع في كتاب ابن أم القاسم: يا أسديًّا، والأسدي: المنسوب إلى بني أسد، والفقعسي: المنسوب إلى بني فقعس.
وإعرابه ظاهر] (٤).
(١) توضيح المقاصد (٥/ ١٨١). (٢) البيت من بحر الرجز نسب لسالم بن داره، وهو في اللسان: (روح)، والإنصاف (٢٢٩)، والأشموني (٤/ ٢١٧) وينظر المعجم المفصل (١٢٥٧)، وجاء بعده في اللسان: (فما أكلت لحمه ولا دمه). (٣) البيت في لسان العرب مادة: "روح"، وهو من جفاء العرب؛ كما قال ابن منظور، ونصه: لا هم إن كنت الذي كعهدي … ولم تغيرك السنون بعدي (٤) ما بين المعقوفين سقط في (أ، ب)، وتممته من نسخة الخزانة.