قفَا نَبكِ من ذِكْرَى حَبِيب وَمَنْزلٍ … .................................
فإن (قفا) صيغة تثنية يخاطب بها الواحد، وكذلك ها هنا (دعاني) صيغة تثنية يخاطب بها الواحد وهو صاحبه وخليله، [وأصله](١) من يدع دع أي اترك، وهذا فعل قد أمات العرب استعمال ماضيه، فلا يقال: ودع، وهذا قول الجمهور من أهل الأدب (٢).
ولكن قد جاء استعماله في القرآن على قراءة من قرأ ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ﴾ [الضحى: ٣] بالتخفيف (٣)، وروى بعضهم ذراني موضع دعاني ومعناهما واحد، وهو أيضًا أمر من يذر معناه يترك، ويجوز أن يراد به التأكيد؛ لأنهم يخاطبون الواحد بصيغة التثنية للتأكيد ومعناه:[دعني دعني، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ﴾ [ق: ٢٤] ومعناه] (٤) ألق ألق (٥).
قوله:"من نجد" النجدُ اسم للبلاد التي أعلاها تِهامَة واليمنُ، وأسفلُها العراقُ والشامُ، وأولها من ناحية الحجاز ذاتُ عرق إلى ناحية العراق.
قوله:"فإنّ سَنِينَهُ" جمع سنة، وفيها معنيان:
الأول: يراد به الأعوام مطلقًا.
والثاني: يراد به الأعوام المجدِبَة، يقال: أرض بني فلان سنة إذا كانت مجدبة، وأصل سنة سنوة، والمحذوف منها واو، ويقال: المحذوف منها الهاءُ، وأصلها: سنهة مثل: جبهة؛ لأنها من سنهْت النخلةُ إذا أتت عليها السنون، ونخلةٌ سنهاء إذا حملت سنة وتركت سنة وفي التصغير تقول: على الأول: سنية أصلها سنيوة، قلبت الواو ياء، وأدغمت الباء في الياء فصار سُنَيّة، وعلى الثَّاني: سُنَيهة، وإذا جمعتها بالواو والنون تقول: سنون بكسر السِّين، وبعضهم يقول: سنون بضم السِّين (٦)، وأمَّا الكلام في حركة النون فيجئ عن قريب إن شاء الله تعالى-.
قوله:"شِيبًا" بكسر الشين؛ جمع أشيب وهو المبيضُّ الرأس، وقد شاب رأسُه شيبًا وشيبةً فهو أشيب على غير قياس؛ لأنَّ هذا النعت إنَّما يكون من باب فَعِل تفعَل مثل: عَلِم يعلَمُ، والشيب بفتح الشين المعجمة هو المشيب وقال الأصمعي: الشيب بياض الشعر والمشيب: دخول الرجل في حد الشيب (٧).
(١) ما بين المعقوفين سقط في (أ). (٢) اللسان، مادة: "ودع". (٣) المحتسب لابن جني (٢/ ٣٦٤)، والكتاب (٤/ ١٠٩)، واللسان، مادة: "ودع". (٤) ما بين المعقوفين سقط في (أ). (٥) المحرر الوجيز لابن عطية (١٥، ١٧٨) ط. دار الكتاب الإسلامي- القاهرة (١٤١١ هـ-١٩٩١ م). (٦) ينظر شرح شافية ابن الحاجب للرضي (١/ ٢٢٢). (٧) الصحاح، مادة "شيب".