يَحْضُرَ ذَلِكَ الْكَاهِنَ، وَأَنْ يَختَلِفَ (١) إِلَيهِ"، قَالَ: "وَكَانَ عَلَى طَرِيقِ الْغُلَامِ رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَةٍ (٢) ".
قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَحْسَبُ أَنَّ أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ كَانُوا يَوْمَئِذٍ مُسْلِمِينَ، قَالَ: "فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَسْأَلُ ذَلِكَ الرَّاهِبَ كُلَّمَا مَرَّ بِهِ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى أَخْبَرَهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَعْبُدُ اللَّهَ، وَجَعَلَ الْغُلَامُ يَمْكُثُ عِنْدَ الرَّاهِبِ وَيُبْطِئُ عَلَى الْكَاهِنِ"، قَالَ: "فَأَرْسَلَ الْكَاهِنُ إِلَى أَهْلِ الْغُلَامِ أَنَّهُ لَا يَكَادُ يَحْضُرُنِي، فَأَخْبَرَ الْغُلَامُ الرَّاهِبَ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: إِذَا قَالَ الْكَاهِنُ أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْ: كُنْتُ عِنْدَ أَهْلِي، وَإِذَا قَالَ لَكَ أَهْلُكَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْ: كُنْتُ عِنْدَ الْكَاهِنِ، قَالَ: فَبَيْنَا الْغُلَامُ عَلَى ذَلِكَ إِذْ مَرَّ بِجَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ كَبِيرَةٍ قَدْ حَبَسَتْهُمْ دَابَّةٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ تِلْكَ الدَّابَّةَ يَعْنِي الْأَسَدَ، وَأَخَذَ الْغُلَامُ حَجَرًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ الرَّاهِبُ حَقًّا فَأَسْأَلُكَ أَنْ أَقْتُلَ هَذِهِ الدَّابَّةَ، وَإِنْ كَانَ مَا يَقُولُ الْكَاهِنُ حَقًّا فَأَسْأَلُكَ ألَّا أَقْتُلَهَا، قَالَ: ثُمَّ رَمَاهَا فَقَتَلَ الدَّابَّةَ، فَقَالَ النَّاسُ: مَنْ قَتَلَهَا؟ فَقَالُوا: الْغُلَامُ، فَفَزعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَقَالُوا: قَدْ عَلِمَ هَذَا الْغُلَامُ عِلْمًا لَمْ يَعْلَمْهُ أَحَدٌ، فَسَمِعَ بِهِ أَعْمَى فَجَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنْ أَنْتَ رَدَدْتَ عَلَيَّ بَصَرِي فَلَكَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: لَا أرِيدُ مِنْكَ هَذَا، وَلَكِنْ إِنْ رُدَّ إِلَيْكَ بَصَرُكَ أَتُؤْمِنُ بِالَّذِي رَدَّهُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعَا اللهَ فَرَدَّ عَلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَآمَنَ الْأَعْمَى، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَلِكَ أَمْرُهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَالَ: لأَقْتُلَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قِتْلَةً لَا أَقْتُلُهَا صَاحِبُهَا، قَالَ: فَأَمَرَ بِالرَّاهِبِ وَبِالرَّجُلِ الَّذِي كَانَ أَعْمَى فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ عَلَى مَفْرِقِ (٣) أَحَدِهِمَا فَقُتِلَ، وَقُتِلَ الآخَرُ بِقِتْلَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ أَمَرَ بِالْغُلَامِ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَأَلْقُوهُ مِنْ رَأسِهِ، فَلَمَّا انْطَلَقُوا بِهِ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادُوا جَعَلُوا يَتَهَافَتُونَ مِنْ ذَلِكَ الْجَبَلِ، وَيَتَرَدَّوْنَ مِنْهُ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْغُلَامُ فَرَجَعَ، فَأَمَرَ بِهِ الْمَلِكُ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا (٤) بِهِ إِلَى الْبَحْرِ فَأَلْقُوهُ فِيهِ، فَانْطُلِقَ بِهِ إِلَى الْبَحْرِ، فَغَرَّقَ اللَّهُ
(١) الاختلاف: التردد. (انظر: التاج، مادة: خلف).(٢) الصومعة: منارة الراهب ومتعبده، والجمع: صوامع. (انظر: ذيل النهاية، مادة: صمع).(٣) المفرق: المكان الذي يفرق فيه الشعر، وهو وسط الرأس. (انظر: اللسان، مادة: فرق).(٤) في الأصل: "انطلق"، والتصويب من المصدر السابق.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute