اعتبر العلماء في زمن التابعين ومن بعدهم، وجد الغالب عليهم الموالي.
فإن قالوا: إن أبا حنيفة رحمة الله عليه كان قويًا في القياس، ومالكًا في الحديث، والشافعي فيهما (١).
قيل لهم: بل أبو حنيفة قوي فيهما؛ لأنّ شعبة [بن الحجاج البصري] قال: "كان أبو حنيفة عارفًا بحديث أهل بلده"، وقال عبد الله بن المبارك:"كيف تقولون إن أبا حنيفة لا يعرف الحديث، وهو يقول: زيد [بن] عياش (٢) لا يُقبل خبره"، وإذا رجعت إلى مسند أبي حنيفة ﵁، وجدته أكبر من مسند الشافعي.
وكيف تُدّعى للشافعي المعرفة بالحديث، وهو يقول في خبر القُلَّتين: بلغني عن رسول الله ﷺ بإسناد لا يحضرني أنّه قال: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا"(٣)، وهذا خبر لم يقل به أحد من الفقهاء غيره (٤)، ثم لم يُعرف إسناده (٥).
وخطّأه أحمد بن حنبل في قوله: "إن النبي ﷺ قضى بالدية على العاقلة
= أن النبي ﷺ وضع يده على سلمان الفارسي ثم قال: "لو كان الإيمان عند الثريا لناله هؤلاء". (١) قال أبو عبيد القاسم بن سلام: "ما رأيت رجلًا قط أعقل ولا أفقه في كتاب الله من الشافعي"، ونحوه لأحمد أيضًا. انظر: مناقب الشافعي للبيهقي ٢/ ٢٤٠، ٢٥١. (٢) في الأصل (زيد أبو عياش) وفي (ب) (بن) والمثبت كما جاء في (ب) وهو (زيد بن عياش الزرقي أبو عياش المدني) كما في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص ١٢٨. (٣) قال الشافعي في المسند ص ١٦٥؛ أخبرنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج، بإسناد لا يحضرني ذكره أن رسول الله ﷺ قال، فذكر الحديث، والحديث روي من حديث ابن عمر عن النبي ﷺ رواه أبو داود (٦٥)، والترمذي (٦٧) وسكت عنه، والنسائي (٥٠)، وابن ماجه (٥١٧). وهو عند ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٣٧٢٤٧). (٤) وذهب إليه الإمام أحمد أيضًا. انظر: المغني ١/ ٣٦ وما بعدها (القاهرة. هجر). (٥) ووصل الحديث الدارقطني في سننه (٣٢)؛ والبيهقي في الكبرى ١/ ٢٦٣.