قال أبو حنيفة: إذا أقرّ لرجل أنّ لفلانٍ عليّ ألف درهم، فهو جائزٌ، وهو دينٌ (١)؛ لأنّ "علي" من ألفاظ الوجوب، قال الله تعالى: ﴿وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، ولأنّه جعل الألف عليه، وذلك لا يكون إلا وهي في ذمته.
قال: وكذلك إذا قال: له قِبَلي؛ لأنّ القبالة اسمٌ للضمان، ولهذا قالوا: بأنّ القِبالة والكفالة واحدٌ، وإذا كانت من ألفاظ الضمان اقتضت الذمّة، فإن قال المقرّ: هي وديعةٌ، ولم يوصلْ ذلك بإقراره، لم يُصدّق؛ لأنّ ظاهر قوله:"عليَّ وقِبَلي" يفيد الدين، فإذا قطع الإقرار، لزمه.
فإذا قال بعد ذلك: هو وديعة، ويريد أن يسقط عن نفسه ما لزمه، فلا يُقبل قوله، وأمّا إذا وصل ذلك بالكلام، فقال: له عليّ ألف [درهمٍ] وديعةً، أو قبلي، أو قبلي ألف وديعةً) (٢) صدِّق؛ لأنّ الكلام لم يستقرّ حتى وصل [به] ما يفيد سقوط الضمان، فكأنّه وصل به استثناءً، فيقبل قوله، ويصير قوله: عليّ، أي: عليّ تسليمها وحفظها.
فإن قال: له عندي ألف درهمٍ، فهي وديعةٌ؛ لأنّ هذا يقتضي (٣) إقرارًا بالحقّ
(١) انظر: الأصل ٨/ ٢١٢. (٢) ما بين القوسين سقطت من ب. (٣) سقطت هذه الكلمة من ب.