قال رحمه الله تعالى: الإجارة عقد على المنافع بعوض، وهو خلاف النكاح؛ لأنه عقد على استباحة منافع البُضْعِ بعوض، والعقد على المنافع على ضربين: عقد بعوض يسمى إجارة، وعقد بغير عوض: وهو العارية، والوصية بالمنافع.
والأصل في جواز الإجارة قوله تعالى حكاية عن شعيب ﵇: ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾ [القصص: ٢٧]، وما ثبت في شرائع من قبلنا فهو لازم لنا، إلا أن يدل دليل على نسخه (١)، ولأن النبي ﷺ بُعث والناس يستأجرون ولم ينكر ذلك، وقال ﵊:"من استأجر أجيرًا فليعلمه أجره"(٢)، ومرّ على رافع بن خديج وهو في حائط فأعجبه فقال:"لمن هذا؟ " فقال: لي استأجرته، فقال ﵊:"لا تستأجره بشيء منه"(٣)، فلو كان العقد لا يجوز بكل حال، لما كان للتخصيص معنى.
ولأن المنافع على ضربين: منافع البُضْع، و [منافع] غير البُضْع، فإذا جاز العقد على أحدهما جاز على الآخر، ولا يقال: إنه عقد على المعدوم، وعلى ما لا يملك الإنسان؛ لأن ملك الأصل الذي يتولد منه المنافع جعل كملكها في باب
(١) انظر: تفسير ابن عطية، ص ١٤٤٠. (٢) أخرجه البيهقي في الكبرى مرفوعًا ٦/ ١٢٠؛ وأبو حنيفة في مسنده رواية أبي نعيم الأصبهاني ١/ ٨٩؛ من مرسل إبراهيم. انظر: نصب الراية ٤/ ١٣١. (٣) أخرجه محمد بن الحسن في كتاب الآثار، ص ١٧٢.