قال أبو الحسن: والغسل مفروض في جميع البدن مغابنه وغير مغابنه، وداخل الأنف وداخل الفم، لا [يجزئ] من تَرك ذلك في غسله صلاته.
قال رحمه الله تعالى: الأصل في وجوب غسل الجنابة قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: ٦] والمراد به جميع البدن، فكأنه تعالى قال: طهروا أبدانكم، فيقتضي ذلك تطهير كل ما يمكن تطهيره من غير مشقة، ولا خلاف في ذلك إلا في المضمضة والاستنشاق.
فعندنا: أنّهما فرض في الجنابة.
وقال الشافعي: ليسا بفرض (١).
والدليل على ما قلناه: قوله ﷺ: "إن تحت كل شعرة جنابة، ألا فبلوا الشعر وأنقوا البشرة"(٢)، قال ابن الأعرابي: البشرة في اللغة: الجلدة التي تقي اللحم من الأذى، وروى عليّ عن النبي ﷺ أنّه قال:"من ترك شعرة من شعره في الجنابة لم يُصبها الماء، أصابه كذا وكذا من النار"، قال عليّ ﵁: فمن ثَم عاديتُ شعري [فحلقته](٣)، ومعلوم أن في داخل الأنف شعرًا وفي الفم بشرةً؛
(١) المضمضة والاستنشاق فرضان في الغسل سنّتان في الوضوء، وفي قول مالك والشافعي: هما سنتان في الوضوء والغسل، ومذهب أحمد بأنهما فرضان فيهما. انظر: القدوري، ص ٤٢؛ الرسالة الفقهية ص ٩٣؛ المنهاج المنتهى ١/ ٤٦؛ رحمة الأمة ص ٤٧؛ مختصر اختلاف العلماء ١/ ١٣٥. (٢) أخرجه أبو داود (٢٥٢) وقال: "الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف"، والترمذي (١٠٦) وقال: "حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث الحارث ابن وجيه، وهو شيخ ليس بذاك"؛ وابن ماجه (٥٩٧). كلهم بلفظ: "فاغسلوا الشعر .. ". (٣) في سننه (٥٩٩) عن ابن أبي شيبة، وهو في مصنفه (١٠٧٣)، وانظر: نصب الراية ١/ ٧٨.