[هذا مع] ما اشتهر من قوة تفريعه واقتداره على ابتداء وضع هذه المسائل، وسرعة جوابه فيها، ومواصلته للحجج.
وكثرة عبادته حتى قيل: إنه صلّى الفجر بطهارة العشاء أربعين سَنة، وقَرَأ القرآن في ركعة واحدة (١) في الكعبة، وامتنع من تولي القضاء فضُرب عليه بالسوط حتى قيل: إنه ﵀ ذكر عند ابن شبرمة فقال: "لقد قرطم له وقرطم (٢) لنا فلقطنا ورفع رأسه".
فإن قيل: بأن مذهب الشافعي أولى؛ لأنه رجلٌ من قريش وقد قال رسول الله ﷺ:"الأئمة من قريش"(٣)، وقد قال ﵊:"قدِّموا قريشًا ولا تتقدموها"(٤).
فالجواب: أن الصحابة اختلفوا فلم يرجّح أحدٌ قول ابن عباس على قول زيد بن ثابت: بأنه من قريش، فدلَّ إجماعهم على أن التقديم لم يرد به رسول الله ﷺ التقديم في العلم، وقد قال ﷺ:"ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى"(٥)، وقال ﵊:"لو كان العلم معلَّقًا بالثُّريا لسبق إليه غِلمان من أبناء فارس"(٦)، وإذا
(١) أورد ذلك الصيمري ص ٤٤، وغيره من المترجمين له، إلّا أنني لم أعثر على قولهم (ذلك في الكعبة). (٢) انظر: أخبار أبي حنيفة للصيمري، ص ٥٧، وغيره. (٣) أخرجه النسائي في الكبرى (٥٩٤٢)؛ وابن أبي شيبة في المصنف (٣٣٠٥٥). (٤) أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار، ٢/ ٣٩٨؛ والطبراني وفيه أبو معشر، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح، كما قال الهيثمي في المجمع ١٠/ ٢٥؛ والشافعي في المسند ١/ ٢٧٨؛ والبزار في مسنده (٤٦٥)، انظر: التلخيص الحبير ٢/ ٣٦. (٥) مسند الحارث (زوائد الهيثمي) (٥١)، والطبراني في "الكبير" ١٨ (١٦). (٦) رواه بهذا اللفظ: الشجري في ترتيب الأمالي (٣٤٩)، وأبو طاهر السلفي في الطيوريات (١٠٩٨)، وروى البخاري في صحيحه (٤٨٩٧)، ومسلم في صحيحه ٤/ ١٩٧٢ (٢٣١) =