[والدليل على ما قلناه]: ما روي أن النبيّ ﷺ علّم الأعرابيَ الوضوء وقال: "لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه، فيغسل وجهه، ثم يديه، ثم يمسح برأسه، ثم يغسل رجليه"(١)، وروي عن النبي ﷺ أنّه توضأ وغسل رجليه وقال:"هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به"(٢)؛ ولأنّ النبيّ ﷺ داوم على غسل رجليه، وأطبقت الأمة على نقل ذلك، ولم ينقل عنه المسح إلا شاذًا من جهات ضعيفة، ومن يخالف في هذه المسألة يقول: إن الغسل لا تجزئ به الصلاة، وهذا خلاف [الإجماع] المنقول من طريق الاستفاضة.
فإن قالوا: يجوز الغسل والمسح [جميعًا] إلا أن المسح أفضل، أدّى ذلك إلى أن يكون النبيّ ﷺ داوم على ترك الفضيلة، وهذا لا نظن به، فإن قالوا كل واحدٍ منهما جائز والغسل أفضل، [قلنا]: العضو الذي فرضه المسح لا يكون غسله أفضل كمسح الرأس.
وأما قوله ﷾: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] قالوا: روي عن ابن عباس قال: "نزل جبريل ﵇ بغسلين ومسحين". وقد قرئت هذه الآية بقراءتين، قراءة النصب: وظاهرها توجب الغسل؛ لأنه عطف الأرجل على المغسول فصار تقديرها (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم [إلى المرافق] وأرجلكم وامسحوا برؤوسكم)، والقراءة الأخرى قراءة الخفض، وظاهرها: يقتضي المسح؛ لأنه تعالى عطفها على الممسوح فتقديرها (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم)(٣).
= وابن جرير جواز مسح جميع القدمين، والإنسان مخيّر عندهم … " رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص ٤٨ مؤسسة الرسالة. (١) تقدم الكلام. (٢) لم أجده بهذا اللفظ. (٣) انظر: تفسير ابن عطية (المحرر الوجيز) ص ٥٢٠ (دار ابن حزم).