فإن قيل: إن الشافعي كان يعرف العربية وكان أبو حنيفة لا يعرفها؛ لأنه حكي عنه أنّه قال: ولو ضربه بأبا قبيس (١)
قيل لهم: أمّا دعواكم معرفة الشافعي باللغة فليس عليه دليل (٢)، والمأخوذ عليه [من الغلط] في اللغة كثير؛ وذلك أنّه قال في كتابه: ماء مالح، وإنما هو ماء مِلْحٍ (٣).
وقال في أحكام القرآن: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾ [النساء: ٣] أي: لا تكثر عيالكم (٤)، وإنما معناه لا تميلوا
وقال: إذا أشلى كلبه، يريد إذا أغراه، وإنما يقال: أشلاه إذا استدعاه.
وقال: ثوب يسوي كذا وهذا من كلام العامة، وإنما يقال: ثوب يساوي كذا.
(١) أورده الخطيب في تاريخ بغداد ١٣/ ٤٣٩. (٢) بل قال أحمد وابن هشام والمازني: "كلام الشافعي في اللغة حجة"، وقال الشافعي عن نفسه: "أقمت على العربية وأيام الناس عشرين سنة"، وأثنى عليه أئمة اللغة وقالوا: بأنه ممن يؤخذ عنه في اللغة. انظر: مناقب الشافعي للبيهقي، ٢/ ٤١ وما بعدها؛ سير أعلام النبلاء ١٠/ ٨٤؛ آداب الشافعي، ص ١٣٦. (٣) قال النووي: "والجواب: أن هذا الاعتراض جهالة من قائله، بل فيه أربع لغات: ماء ملح، ومالح، ومليح، ومُلاح - بضم الميم وتخفيف اللام -، حكاهن الخطابي وآخرون من الأئمة، وقد جمعتُ ذلك بدلائله وأقوال الأئمة فيه، وإنشاد العرب فيه في تهذيب الأسماء واللغات … ". المجموع ١/ ١٢٩. (٤) كذلك ورد في تأويل الآية: كثرة العيال، مأخوذًا من قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾، أي: فقرًا، ﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ﴾، وإن كان بمعنى: (لا تميلوا) هو قول الجمهور. انظر: السنن الكبرى للبيهقي ٧/ ٤٦٦؛ أحكام القرآن لابن العربي ١/ ٤١٠.