كان ذو الرئاستين يبعثني ويبعث [٢] أحداثا من أحداثه [٣] إِلَى شيخ بخراسان له أدب وحسن معرفة بالأمور، ويقول لنا: تعلموا منه الحكمة، فإنه حكيم، فكنا نأتيه، فإذا انصرفنا من عنده سألنا ذو الرئاستين، فاعترض [٤] ما حفظناه فنخبره به [٥] ، فصرنا ذات يوم إِلَى الشيخ فَقَالَ لنا: أنتم أدباء، وقد سمعتم الحكمة، ولكم جدات ونعم، فهل فيكم [٦] عاشق؟ فقلنا: لا. فَقَالَ: اعشقوا فإن العشق مطلق اللسان العي، ويفتح حيلة البليد والمختل [٧] ، ويبعث عَلَى التنظف وتحسين الثياب، وتطييب المطعم، ويدعو إِلَى الحركة والذكاء وشرف الهمة، وإياكم والحرام.
فانصرفنا من عنده إِلَى ذي الرئاستين، فسألنا عما أفدنا يومنا ذلك [٨] ، فهبنا أن نخبره، فعزم علينا، فقلنا له إنه أمرنا بكذا وكذا، وَقَالَ لنا كذا وكذا. قَالَ: صدق والله، تعلمون من أين أخذ هَذَا؟ قلنا: لا. قَالَ ذو الرئاستين: إن بهرام جور كان له ابن، وكان قد رسمه للأمر بعده، فنشأ الفتى ناقص الهمة، ساقط المروءة، خامل النفس، سيئ الأدب، فغمه ذلك، فوكل [٩] به المؤدبين والحكماء ومن يلازمه ويعلمه، وكان يسألهم عنه فيحكون [١٠] ما يغمه من سوء فهمه وقلة أدبه، إِلَى أن سأل بعض مؤدبيه يوما فَقَالَ له المؤدب: قد/ كنا نخاف سوء أدبه فحدث من أمره ما صرنا إِلَى اليأس من صلاحه.
[١] حذف السند في ت وكتب بدلا منه: «أخبرنا محمد بن ناصر بإسناد له إلى اليمان بْن عمرو مولى ذي الرئاستين قَالَ» . [٢] في الأصل: «فبعثه أحداثا» . [٣] في ت: «من أهله» . [٤] في ت: «واعترض» . [٥] «به» سقطت من ت. [٦] في ت: «فهل منكم» . [٧] في ت: «والمخبل» . [٨] في ت: «عما أخذنا ذلك» . [٩] في الأصل: «ووكل به» . [١٠] في ت: «وكان إذا سألهم عنه يحكون» .