بكت فاطمة بنت عبد الملك حتى عشي بصرها، فدخل عليها أخواها مسلمة وهشام، فقالا: ما هذا الأمر الذي دمت عليه؟ أجزعك على بعلك فأحق من جزع على مثله، أم على شيء فاتك من الدنيا فها نحن بين يديك وأموالنا وأهلونا، فقالت: ما من كل جزعت، ولا على واحد منهما أسفت، ولكني والله رأيت منه ليلة منظرا، فعلمت أن الذي أخرجه إلى الذي رأيت منه، رأيت منه هولا عظيما قد أسكن في قلبه معرفته، قالا: وما رأيت منه؟ قالت: رأيته ذات ليلة قائما يصلي، فأتى على هذه الآية:(يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) ١٠١: ٤- ٥ [١] . فصاح: وا سوء صباحاه، ثم [وثب] فسقط، فجعل يخور حتى ظننت أن نفسه ستخرج، ثم هدأ فظننت أنه قد قضى، ثم أفاق إفاقة فنادى: وا سوء صباحاه، ثم وثب وجعل يجول في الدار ويقول: ويلي من يوم يكون الناس فيه كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش.
٥٦٠- غيلان بن عقبة بن بهيس بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ساعدة بن كعب بن عوف، من بني صعب بن ملكان بن عدي، ويقال لغيلان: ذو الرمة، ويكنى أبا الحارث [٢] :
سمع بشعره الفرزدق فقال: ما أحسن ما تقول، فقال: فما لي لا أذكر في الفحول؟ قال: بصونك عن غاياتهم بكاؤك في الدين، وصفتك الإبصار والفطن [٣] .
وكان يتشبب بمي [٤] بنت طلحة بن عاصم المنقري، وكانت تسمع شعره ولا تراه، فجعلت للَّه أن تنحر بدنة إذا رأته، فلما رأته رأت رجلا أسود دميما، فقالت: وا سوءتاه، كأنها لم ترضه.
قال أبو سوار الغنوي: رأيت ميا، وكانت مسنونة الوجه، طويلة الخدين، شماء الأنف، عليها وسم جمال.
[١] سورة: القارعة، الآية: ٤، ٥. [٢] على هامش الأصل: ذو الرمة الشاعر» . وانظر ترجمته في: الأغاني ١٨/ ٥، ووفيات الأعيان ١/ ٤٠٤، وخزانة الأدب للبغدادي ١/ ٥١. [٣] الخبر في الأغاني ١٨/ ٢٠، وفيه: «يمنعك من ذلك ويباعدك ذكرك الأبعار وبكاؤك الديار» . [٤] في الأصل: «يتشبث» . والتصحيح من ت والأغاني.