ولا الجنة ولا النار، ومعنى المعاد عندهم عود كل شيء إلى أصله، قالوا: فجسم الآدمي يبلى، والروح إن صفت بمجانبة الهوى، والمواظبة على العبادات، وغذيت بالعلم سعدت [١] بالعود إلى وطنها الأصلي، وكمالها بموتها، إذ به خلاصها من ضيق الجسد.
وأما النفوس المنكوسة [٢] المغموسة في عالم الطبيعة المعرضة عن طلب رشدها من الأئمة [٣] المعصومين، فإنها أبدا في النار على معنى أنها تتناسخ في الأبدان الجسمانية، وكلما فارقت جسدا تلقاها آخر، واستدلوا بقوله تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها ٤: ٥٦ [٤] وأكثر مذاهبهم يوافق الثنوية والفلاسفة في الباطن، والروافض في الظاهر، وغرضهم بهذه التأويلات انتزاع المعتقدات الظاهرة، من نفوس الناس [٥] ، حتى تبطل الرغبة والرهبة.
ثم إنهم يعتقدون استباحة المحظورات، ورفع الحجر، ولو ذكر لهم هذا لأنكروه، وقالوا: لا بد من الانقياد للشرع على ما يفعله [٦] الإمام، فإذا أحاطوا بحقائق الأمور انحلت عنهم القيود والتكاليف العملية [٧] / إذ المقصود عندهم [٨] من أعمال الجوارح تنبيه القلب، وإنما تكليف الجوارح للخمر [٩] الذين لا يراضون إلا بالسياقة.
وغرضهم هدم قوانين الشرع.
قالوا: وكل ما ذكر من التكاليف فرموز إلى باطن، فمعنى الجنابة مبادرة المستجيب [١٠] بإنشاء سر إليه، قبل أن ينال رتبة الاستحقاق لذلك، ومعنى الغسل تجديد
[١] في ك: «استعدت» . [٢] في الأصل: «وأما النفوس المعكوسة» . [٣] في ك: «والأئمة» . [٤] سورة: النساء، الآية: ٥٦. [٥] في الأصل: «الخلق» . [٦] في الأصل: «يفصله» . [٧] في ك: «العلمية» . [٨] في الأصل: «المقصود منها أي» . [٩] في ك: «للغمر» . [١٠] في ك: «المستحب» .