المرزبان، حدثنا يعقوب النَّخْعي، حدثنا علي بن زيد كاتب العباس المأمون قَالَ:
حدثني محمد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قَالَ: حدثني أَبِي قَالَ: حج هارون الرشيد ومعه جعفر بن يحيى البرمكي. قَالَ: وكنت معهم، فلما صرنا إلى مدينة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لي جعفر بن يحيى: أحب أن تنظر لي جارية، / ولا تبقى غاية في حذاقتها بالغناء والضرب، والكمال في الظرف [١] والأدب، وجنبني قولهم صفراء. قَالَ:
فأرشدت إلى جارية لرجل، فدخلت عليه فرأيت رسول النعمة، وأخرجها إلي فلم أر أجمل منها ولا أصبح ولا آدب، ثم تغنت إلي أصواتا فأجادتها. قَالَ: فقلت لصاحبها:
قل ما شئت. قال: أقول لك قولا ولا انقص منه درهما. قَالَ: قُلْتُ: قل. قَالَ: أربعين ألف دينار. قال: قُلْتُ: قد أخذتها وأشترط عليك نظرة قَالَ: ذاك لك [٢] . قَالَ: فأتيت جعفر بن يحيى. فقلت لَهُ: قد أصبت حاجتك على غاية الظرف والأدب والجمال ونقاء اللون وجوده الضرب، وقد اشترطت نظرة [٣] ، فاحمل المال ومر بنا [٤] . فحمل المال على حمالين، وجاء جعفر مستخفيا، فدخلنا على الرجل، فأخرجها، فلما رآها جعفر أعجب بها، وعرف أن قد صدقته، ثم غنّته فازداد بها عجبا، فقال لي: اقطع أمرها.
فقلت لمولاها هذا المال، قد وزناه ونقدناه، فإن قنعت وإلا فوجه إلى من شئت لينقد.
فَقَالَ: لا بل أقنع بما قلتم. قَالَ: فقالت الجارية: يا مولاي في أي شيء أنت؟ فَقَالَ: قد عرفت ما كنت [٥] فيه من النعمة، وما كنا [٦] فيه من انبساط اليد، وقد انقبضت عن ذلك لتغير الزمان [علينا][٧] ، فقدرت أن تصيري إلى هذا الملك فتنبسطي في شهواتك وإرادتك. فقالت الجارية: والله يا مولاي لو ملكت منك ما ملكت مني ما بعتك بالدنيا وما فيها، وبعد فاذكر العهد/ الذي بيني وبينك. وقد كان حلف لها أن لا يأكل لها ثمنا.
[١] في الأصل: «الطرف» . [٢] في الأصل: «ذاك له» . [٣] في الأصل: «نظرك» . [٤] في ت: «وامض بنا» . [٥] في ت، وتاريخ بغداد: «ما كنا» . [٦] في ت، وتاريخ بغداد: «وما كنا» . [٧] ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.