نَدَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّاسَ مَعَ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ الأَشْجَعِيِّ بِالْحَرَّةِ إِلَى/ بَعْضِ أَهْلِ فَارِسَ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا [بِسْمِ الله و] [١] في سَبِيلِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ باللَّه، لا تُغْلُوا، وَلا تَغْدِرُوا وَلا تُمَثِّلُوا وَلا تَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلا صَبِيًّا وَلا شَيْخًا [هَرِمًا] [٢] ، وَإِذَا انْتَهَيْتَ إِلَى الْقَوْمِ فَادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَإِن قَبِلُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُ لا نَصِيبَ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ، فَإِن أَبَوْا فَادْعُهُمْ إِلَى الْجِزْيَةِ، فَإِنْ قَبِلُوا فَضَعْ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ، وضع فيهم جيشا يقاتل من وراءهم، وَخَلِّهِمْ وَمَا وَضَعْتَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَقَاتِلْهُمْ، وَإِنْ دَعَوْكُمْ إِلَى أَنْ تُعْطُوهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَلا تُعْطُوهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلا ذِمَّةَ محمد، وَلَكِنْ أَعْطُوهُمْ ذِمَّةَ أَنْفُسِكُمْ ثُمَّ وَفُّوا لَهُمْ فَإِنْ أَبَوْا عَلَيْكُمْ فَقَاتِلُوهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكُمْ عَلَيْهِمْ.
فَلَمَّا قَدِمْنَا الْبِلادَ دَعَوْنَاهُمْ إِلَى كُلِّ مَا أُمِرْنَا بِهِ، فَأَبَوْا، فَلَمَّا مَسَّهُمُ الْحَصْرُ نادوا:
أعطونا ذمة الله وذمة محمد، فَقُلْنَا: لا، وَلَكِنْ نُعْطِيكُمْ ذِمَّةَ أَنْفُسِنَا ثُمَّ نَفِي لَكُمْ، فَأَبَوْا فَقَاتَلْنَاهُمْ فَأُصِيبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ فَتَحَ عَلَيْنَا فَمَلأَ الْمُسْلِمُونَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ مَتَاعٍ وَرَقِيقٍ وَرِقَّةٍ مَا شَاءُوا، ثُمَّ إِنَّ سَلَمَةَ بْنَ قَيْسٍ أَمِيرَ الْقَوْمِ دَخَلَ، فَجَعَلَ يَتَخَطَّى بُيُوتَ نَارِهِمْ، فَإِذَا سَفَطَيْنِ مُعَلَّقَيْنِ بِأَعْلَى الْبَيْتِ، فَقَالَ: مَا هَذَانِ السِّفْطَانِ، فَقَالُوا: شَيْءٌ كَانَتْ تُعَظِّمُ بِهَا الْمُلُوكُ بُيُوتَ نَارِهِمْ، قَالَ: اهْبِطُوهُمَا إِلَيَّ، فَإِذَا عَلَيْهِمَا طَوَابِعُ الْمُلُوكِ بَعْدَ الْمُلُوكِ، قَالَ: مَا أَحْسَبُهُمْ طَبَعُوا إِلا عَلَى أَمْرٍ نَفِيسٍ، عَلَيَّ بِالْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا جَاءُوا أَخْبَرَهُمْ خَبَرَ السَّفَطَيْنِ، فَقَالَ: أَرَدْتُ أن أفضلهما بِمَحْضِرٍ مِنْكُمْ، فَفَضَّهُمَا فَإِذْ هُمَا مَمْلُوءَانِ جَوْهَرًا لَمْ يُرَ مِثْلَهُ- أَوْ قَالَ: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ- فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ عَلِمْتُمْ مَا أَبْلاكُمُ اللَّهُ فِي وَجْهِكُمْ هَذَا، فَهَلْ لَكُمْ أَنْ تَطِيبُوا بِهَذَيْنِ السِّفْطَيْنِ أَنْفُسًا لأَمِيرِ الْمُؤْمِنيِنَ لِحَوَائِجِهِ وَأُمُورِهِ وَمَا يَنْتَابُهُ، فَأَجَابُوهُ/ بِصَوْتِ رَجُلٍ وَاحِدٍ: إِنَّا نُشْهِدُ اللَّهَ أَنَّا قَدْ قَبِلْنَا وَطَابَتْ أَنْفُسَنَا لأَمِيرِ الْمُؤْمِنيِنَ، فَدَعَانِي فَقَالَ: قَدْ عَهِدْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنيِنَ يَوْمَ الْحَرَّةِ وَمَا أَوْصَانَا بِهِ وَمَا اتبعنا من وَصِيَّتَهُ، وَأَمْرَ السِّفْطَيْنِ وَطِيبَ أَنْفُسِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ بِهِمَا، فَقَدْ عَلِمْتُ بِهِ، فَامْضِ بِهِمَا إِلَيْهِ، وَاصْدُقْهُ الْخَبَرَ ثُمَّ ارْجِعْ إِلَيَّ بِمَا يَقُولُ لَكَ، فَقُلْتُ مَا لِيَ بُدٌّ مِنْ صَاحِبٍ، فَقَالَ: خُذْ بِيَدِكَ مَنْ أَحْبَبْتَ، فَأَخَذْتُ بِيَدِ رجل من القوم وانطلقنا
[١] ما بين المعقوفتين: من أ.[٢] ما بين المعقوفتين: من أ، ظ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute