لمَّا أُنْزِلَتِ التي في {الْفُرْقَانَ}؛ قالَ مُشْرِكُو أهلِ مكةَ: فقدْ قَتَلْنا النَّفْسَ التي حرَّمَ اللهُ، ودَعَوْنا معَ اللهِ إلهاً آخَرَ، وقدْ أتَيْنا الفواحِشَ، فأنْزَلَ اللهُ:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ} الآيةَ، فهذه لأولئك، وأمَّا التي في {النساءِ}؛ الرجلُ إذا عَرَفَ الإسلامَ وشرائِعَهُ، ثم قَتَلَ؛ فجزاؤُهُ جَهَنمُ خالداً فيها.
فذكرتُهُ لمجاهِدٍ، فقالَ: إلَاّ مَن نَدِمَ.
(وفي روايةٍ: آيةٌ اخْتَلَفَ فيها أهلُ الكوفةِ، فرحَلْتُ فيها إلى ابنِ عباسٍ، فسألتُهُ عنها؟ فقالَ: نَزَلَتْ هذه الآيةُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدُا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} هي آخرُ ما نزَلَ، وما نَسَخَها شيءٌ ٥/ ١٨٢. وفي أخرى: عنه عن قولهِ تعالى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}؛ قال: لا تَوْبَةَ لهُ. وعن قولهِ جَلَّ ذِكْرُهُ:{لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهُا آخَرَ} قالَ: كانتْ هذه في الجاهليةِ. وفي أخرى: نزلتْ في أهلِ الشركِ. وفي أخرى: هذه مكيةٌ نسَخَتْها آيةٌ مدنيَّةٌ التي في {سُورةِ النساءِ} ٦/ ١٥)(٣٤).
(٣٣) قال الحافظ: "كذا وقع في الرواية، والذي في التلاوة: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}؛ هكذا في {سورة الفرقان}، وهي التي ذكرت في بقية الحديث، فتعين أنها المراد في أوله". (٣٤) قلتُ: ذكر له ابن كثير طريقاً أُخري، ثم قال: "وقد رُوي هذا عن ابن عباس من طرق كثيرة". قلتُ: لكن قد صح عنه خلافه، فروى المصنف في "الأدب المفرد" (رقم ٤) من طريق عطاء بن يسار عنه أنه أتاه رجل، فقال: إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه، فغرت عليها، فقتلتها، فهل لي من توبة؟ قال: أمك حية؟ قال: لا. قال: تب إلى الله عزَّ وجلَّ، وتقرَّب إليه ما استطعت.=