واللهِ ما كَذَبْتُ في الأُولَى، ولقد صَدَقْتُ في الثانيةِ، فقال النبيُّ ﷺ:"إنَّ مِن البيانِ لَسِحْرًا"(١).
ورُوي أنَّ قُدُومَه على النبيِّ ﷺ كان في وفد تميمٍ سبعون أو ثمانون رجلًا، فيهم الأقرعُ بنُ حابسٍ، والزِّبْرِقانُ بنُ بدرٍ، وعُطاردُ بنُ حاجبٍ، وقيسُ بن عاصمٍ، وعمرُو بنُ الأهتم، وهمُ الذين نادَوْا رسول الله ﷺ من وراء الحُجُرَاتِ، وخبرُهم طويلٌ، ثمَّ أسلم القومُ، وبَقُوا بالمدينةِ مُدَّةً يَتَعَلَّمون القرآنَ والدِّينَ، ثُمَّ أَرادوا الخُرُوجَ إلى قومِهم، فأعطاهم النبيُّ ﷺ، وكَسَاهم، وقال:"أما بَقِيَ منكم أحدٌ؟ ". وكان عمرُو بنُ الأهتم في ركابِهم، فقال قيسُ بنُ عاصمٍ وهو مِن رهطِ عمرٍو، وقد كان مُشاحِنًا له: لم يَبْقَ مِنَّا أحدٌ إلا غلامٌ حَدَثٌ في ركابنا (٢)، وأَزْرَى به، فأَعْطاه رسولُ اللهِ ﷺ مثل ما أَعْطَاهم، فبلَغ عمرًا ما قال قيسٌ، فقال له عمرٌو:
ظَلِلْتَ مُفْتَرِشَ الهُلباءِ (٣) تَشْتُمُني … عند النبيِّ فلم تَصْدُقْ ولم تُصِبِ
(١) أخرجه أبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى ٥/ ١٠٨، والمصنف في التمهيد ٣/ ٢٩٨، وابن بشكوال في غوامض الأسماء ١/ ٩٩، والبيهقي في الدلائل ٥/ ٣١٦، ٣١٧ من حديث ابن عباس ﵄، وأخرجه الطبراني في الأوسط (٧٦٧١) من حديث أبي بكرة ﵁. (٢) في هـ: "رحالنا". (٣) في هـ: "اللهباء"، وفي م: "العلياء"، وقال في حاشية ص: "العلياء عند الشيخ، وكذلك رواه عنه أبو علي وقال: الصحيح الهلباء، والهلباء: الاست بيد أنها كثيرة الشعر، وبذلك فسر في شعر عمرو بن الأهتم رواية أبي العباس ثعلب". تاج العروس ٤/ ٤٠٢ (ل هـ ب).