فإني سمعت رسول الله ﷺ نَهَى عن النَّامِصَةِ والواشِرَةِ والواصلة والواشِمَةِ إلا من داء …
ونقل القاسمي (١) عن الإمام أبي حنيفة ﵀ أنه دخل عليه مَرَّةً رجلٌ من أهل الكوفة والحديثُ يُقرأُ عنده، فقال الرَّجل: دَعُونا من هذه الأحاديث. فزَجَرَهُ الإمامُ أشَدَّ الزَّجْر، وقال له: لولا السُّنَّةُ ما فَهم أحدٌ منا القرآن. ثم قال للرجل: ما تقول في لحم القرد، وأين دليله من القرآن؟ فأفحم الرّجل.
* السُّنَّة وَحْيٌ من الله تعالى وهي الحكمة المذكورة في كتابه:
ومن المعلوم أيضًا أنَّ السُّنَّةَ وَحْي من الله تعالى لنبيه ﷺ، فقد قال تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: ٣ - ٤]، وقال رسول الله ﷺ:"ألا ? إنّى أُوتِيتُ القرآن ومثله معه"(٢).
وروى الإمام أحمد وأبو داودَ من حديث عبدِ اللهِ بن عَمْرِو قال (٣): كنتُ أكتب كلَّ شيءٍ أسمعه من رسول الله ﷺ أريدُ حِفْظُهُ، فَنَهَتْني قريش، فقالوا: إنك تكتب كلَّ شيءٍ تسمعه من رسول الله ﷺ، ورسول الله ﷺ بَشَرٌ يتكلم في الغضب والرضا. فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ، فقال:"اكْتُبْ، فوالذي نفسي بيدِه ما خَرَجَ مِنِّي إِلَّا حَقّ".
وسنته ﷺ هي الحكمة المذكورة في القرآن الكريم مقرونة بالكتاب، فقال تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ كما في سورة البقرة [١٢٩] وسورة آل عمران [١٦٤] وسورة الجمعة [٢]، وقال أيضًا:[واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٣١] وقال: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [النساء: ١١٣].
(١) في "قواعد التحديث" ص ٣٠٧. (٢) سلف ذكره قريبًا. (٣) مسند أحمد (٦٥١٠)، وسنن أبي داود (٣٦٤٦).