وفي الحديث:"ومَاءُ البَارِدِ"(١) يريد وماء الوقت البارد؛ لأن فيه يكون الماء باردًا، أو يكون بمعنى الماء البارد، من إضافة الشيء إلى صفته على مذهب أهل الكوفة، كما يقال: مسجد الجامع وحب الحصيد، وقد يريد بـ "الْبَارِدِ" هاهنا الخالص من التغيير، يقال: لك برده، أي: خالصه، ويحتمل أن يراد بـ "الْبَارِدِ" الذي يستراح به لإزالة الخطايا كأنه يطفئ حرها، من قوله:{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا}[النبأ: ٢٤] أي: راحة على أحد التفاسير في الآية، ومنه: أنا أتبرد: أي: أستريح، وقد يكون وصفه بذلك؛ لأن به يمدح الشراب واللبن ويذم بالحراراة، كما وصف شراب جهنم.
وقولهم في شهود الحديبية:"وأنَّ عَمَلَنا كلَّهُ بَرَدَ لَنَا"(٢) أي: ثبت وخلص، يقال: ما برد في يده منه شيء، أي: ما ثبت، ويقال: برد لي على فلان مال، أي: ثبت.
وفي الحديث:"بَرَدَ أَمْرُنَا"(٣) أي: سهل، ويحتمل أن يريد: استقام
(١) مسلم (٤٧٦/ ٢٠٤) من حديث عبد الله بن أبي أوفى، وفيه: "وَالْمَاءِ البَارِدِ". (٢) البخاري (٣٩١٥) عن ابن عمر، باب: هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة. (٣) جزء من حديث رواه ابن أبي خيثمة في "التاريخ الكبير" (السفر الثاني) ١/ ١٠٣ (٢٦٠)، وأبو الشيخ الأصبهاني في "أخلاق النبي" ٤/ ٦٥ (٧٨٨)، وابن عبد البر في "الاستيعاب" ١/ ٢٦٣، وفي "التمهيد" ٢٤/ ٧٣، وفي "الاستذكار" ٢٧/ ٢٣٥ (٤٠٩٤٦) من طريق حسين بن حريث قال: حدثني أوس بن عبد الله بن بريدة عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يتطير، ولكن كان يتفاءل، فركب بريدة في سبعين راكبًا من أهل بيته من بني أسلم فلقي النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلًا، فقال له نبي الله: "من أنت" قال: أنا بريدة. قال: فالتفت إلى أبي بكر وقال له: "يا أبا بكر بَرَدَ أَمْرُنَا ... " الحديث.