ضيعها مع عظمها في الدين ومكانها في الشرع كان لما دونها من الأعمال أشد تضييعًا. وقيل: من ضيعها مع شهرتها دل علي أنه لما يخفي من عمله أشد تضييعًا. واللغة المشهورة أن يُفَاضَل - في مثل هذا - بـ (أشد) أو (أكثر) ونحوه، لكن حكى السيرافي وغيره عن سيبويه إجازة ذلك، وهذا الحديث حجة في ذلك حتي لا شيء أصح منه نقلاً، ولا حجة أفلح في اللغة من قول عمر - رضي الله عنه -، وقد قال ذو الرمة:
بأضيع من عينيك للدمع (١)
قوله:"وإِضَاعَةَ المَالِ"(٢) قيل: هو إنفاقه فيما حرم الله وفي الباطل والسرف. وقيل: ترك القيام عليه وإهماله. وقيل: المراد بالمال هاهنا الحيوان كله، لا يضيعون فيهلكون. وقيل: هو دفع مال السفيه إليه.
قوله - صلى الله عليه وسلم -: " (وَمَنْ تَرَكَ)(٣) ضَيَاعًا"(٤) بفتح الضاد هم العيال، سموا باسم الفعل، ضاع الشيء ضياعًا، أي: من ترك عيالًا عالة وأطفالًا يضيعون بعده، وأما بكسر الضاد فجمع ضائع، والرواية عندنا بالفتح، وقد روي:"مَنْ تَرَكَ ضَيْعَةً"(٥) أي: ذوي ضيعة، أي: قد تُركوا وضُيعوا، وهو أيضًا مصدر ضاع العيال ضيعة وضياعًا، وأضعتهم: تركتهم.
(١) هو صدر بيت له، بقيته: كُلَّمَا، وعجزه: توَهَّمْتَ رَبعًا أوْ تذَكَّرْتَ منزلا انظر "الأمالي" لأبي عي القالي ١/ ٢٠٨، و"تحرير التحبير" لابن أبي الأصبع ص ٢٣٩. (٢) البخاري (١٤٧٧، ٢٤٠٨، ٥٩٧٥، ٦٤٧٣، ٧٢٩٢)، ومسلم (٥٩٣) من حديث المغيرة بن شعبة. و "الموطأ" ٢/ ٩٩٠، مسلم (١٥١٧) من حديث أبي هريرة. (٣) من (م). (٤) البخاري (٢٣٩٩، ٦٧٤٥) من حديث أبي هريرة. ومسلم (٨٦٧) من حديث جابر. (٥) مسلم (١٦١٧/ ١٦) من حديث أبي هريرة بلفظ: "فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً".