فأَجارَتْه، فلمَّا خرَج رسولُ اللَّهِ ﷺ إلى الصُّبحِ، وكَبَّرَ وكَبَّرَ الناسُ معه، صَرَختْ زينبُ: أيُّها الناسُ، إنِّي قد أَجَرتُ أبا العاصِي بنَ الربيعِ، فلمَّا سَلَّمَ رسولُ اللَّهِ ﷺ مِن الصلاةِ أقبَل على الناسِ، فقال:"هل سَمِعتُم ما سَمِعتُ؟ "، فقالوا: نعم، قال:"أمَا والذي نفسِي بيدِه، ما عَلِمتُ بشيءٍ كان حتَّى سمِعتُ منه ما سمِعتُم، إنَّه يُجِيرُ على المسلمين أَدْناهم"، ثم انصرَف رسولُ اللهِ ﷺ، فدخَل على ابنتِه، فقال:"أي بُنَيَّةُ، أكرِمي مَثْوَاه، ولا يَخْلُصَنَّ (١) إليكِ؛ فإنَّكِ لا تَحِلِّينَ له"، فقالَتْ: إنَّه جاء في طلبِ مالهِ، فخرَج رسولُ اللَّهِ ﷺ وبعَث في تلك السَّرِيَّةِ، فاجتَمَعُوا إليه، فقال لهم:"إنَّ هذا الرجلَ مِنَّا بحيثُ علِمتُم، وقد أَصَبْتُم له مالًا، وهو فيْءٌ (٢) أَفاءَه اللَّهُ ﷿ عليكم، وأنا أُحِبُّ أن تُحسِنوا وتَرُدُّوا إليه (٣) الذي له، وإن أبَيتُم فأنتم أَحَقُّ به"، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، بل نَرُدُّه عليه، فَرَدُّوا عليه مالَه ما فقَد منه شيئًا، فاحْتَمَل إلى مكةَ، فأدَّى إلى كلِّ ذِي مالٍ مِن قريش مالَه الذي كان أبضَع معه، ثم قال: يا معشرَ قريشٍ، هل بَقِيَ لأحدٍ منكم مالٌ لم يأخُذْه؟ قالوا: جزاكَ اللَّهُ خيرًا، فقد وجَدْناك وفيًّا كريمًا، قال: فإنِّي أشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللَّهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، واللهِ ما منَعني مِن الإسلامِ إلَّا تَخَوُّفُ أن تَظُنُّوا بي (٤) أكلَ أموالِكم،
(١) في غ: "يخاصّ". (٢) في ر، م: "مما". (٣) بعده في م: "ماله". (٤) في م: "أني".