ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: "مَا يَأْتِيكَ؟ " قَالَ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلّى الله عليه وسلم -: "خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم -: "إنِّي قَدْ خَبَّاتُ لَكَ خَبِيئَةً"، وَخَبَّأ لَهُ:{يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}، قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ. فَقَالَ (١) رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "اخْسأ فَلَنْ تَعْدُو
===
المقصود، والكلمة حق ترد عليه دعوى رسالته، قاله مولانا محمّد يحيى المرحوم في "التقرير".
(ثمّ قال له النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: ما يأتيك) من أخبار الغيب ونحوه؟ (قال: يأتيني صادق وكاذب، فقال له النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -: خُلِّطَ عليك الأمرُ) فيظهر منه أنه ليس من الله سبحانه، (ثمّ قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: إنِّي قد خبأتُ لك خبيئة) أي أمرًا مخفيًا في قلبي (٢)(وَخَبَّأَ) رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - (له) أي لابن صياد في قلبه قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}(٣) قال: ابن صياد: هو الدخ) فلم يَهْتَدِ إلى حقيقته، ولم ينكشف له تمام الآية.
فإن قلت: كيف اطلع هو أو شيطانُه على بعض ما في الضمير؟ أجيب باحتمال أنه - صلّى الله عليه وسلم - تكلم به في نفسه، أو ذكر بعض الصّحابة بذلك، فاسترق الشيطان بعضَ ذلك.
قلت: والأظهر أنه جرى ذكرُه في السَّماء، فاسترق الشيطان من هنالك، كسائر الأمور الّتي تُخْبَرُ بها الكهنة، كذا في "فتح الودود".
قلت: والأولى أن يقال: إنّه ثبت في الحديث: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدِّم"، ويلقي الوساوسَ والخطراتِ في القلب، ويطلع على خطرات القلوب، فلو اطلع على بعض ما في قلب النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - فليس ببعيد.
(فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: اخسأ) كلمة تُسْتَعْمَلُ لطرد الكلب (فلن تعدُوَ)
(١) زاد في نسخة: "له". (٢) وقيل: كان مكتوبًا في يده - صلّى الله عليه وسلم -، كذا قال النووي (٩/ ٢٨٣). (ش). (٣) سورة الدخان: الآية ١٠.