قال الخطابي (٢): في هذا حجة لمن رأى رد اليمين على الذمي (٣)، والآية محكمة، لم تنسخ في قول عائشة، والحسن البصري، وعمرو بن شرحبيل، وقالوا: المائدة آخر ما نزل من القرآن لم ينسخ منها شيء. وتأول من ذهب إلى خلاف هذا القول: الآية على الوصية دون الشهادة؛ لأن نزول الآية إنما كان في الوصية، وتميم الداري وصاحبه عدي بن بدَّاء إنما كانا وصيين، لا شاهدين، والشهود لا يحلفون، وقد حلفهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما عبر بالشهادة عن الأمانة التي يحملها، وهو معنى قوله تعالى:{وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ}(٤) أي أمانة الله.
وقالوا: معنى قوله: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} أي من غير قبيلتكم، وذلك أن الغالب في الوصية أن الموصي يشهده أقرباؤه، وعشيرته، دون الأجانب والأباعد، ومنهم من زعم أن الآية منسوخة، والقول الأول أصح، انتهى.
(١) في نسخة: "يحكم". (٢) "معالم السنن" (٤/ ١٧٢، ١٧٣). (٣) كذا في الأصل، وفي "المعالم": "على المدعي". (٤) سورة المائدة: الآية ١٠٦. (٥) قال الخطابي: هذا ليس بشهادة، بل حكم الحاكم بعلمه ... إلخ، كذا في "الفتح" (١٣/ ١٦٠ - ١٦٢). قلت: إثبات الترجمه بالحديث مشكل، فإنه عليه الصلاة والسلام لم يكن قاضيًا إذ ذاك، بل بمنزلة المدعي. أما مسألة القضاء بعلم القاضي: اختلف في القضاء بعلم القاضي على أقوال كثيرة، واختلفت فيه أقوال الأئمة أيضًا، كما بسطها الحافظ، والجملة ما ذكر العيني (١٦/ ٤٠٥)، فقال: قال الشافعي: يجوز ذلك في حقوق الناس سواء علم ذلك قبل القضاء أو بعده، وقال أبو حنيفة: ما علمه قبل القضاء في حقوق الناس لا يحكم فيه، وقال مالك في المشهور عنه وأحمد وإسحاق: لا يقضي بعلمه أصلًا، سواء علم قبل القضاء أو بعده ... إلخ. وفي "البدائع" [انظر: (٥/ ٤٤٥، ٤٤٦)]: =