وقد احتج مالك وأحمد على منع التظلل بما رواه البيهقي (١) بإسناد صحيح عن ابن عمر: "أنه أبصر رجلًا على بعيره وهو محرم، قد استظل بينه وبين الشمس، فقال: أَضِحْ لمن أحرمتَ له".
وبما أخرجه البيهقي أيضًا بإسناد ضعيف عن جابر مرفوعًا:"ما من محرم يضحي للشمس حتى تغرب إلَّا غربت بذنوبه، حتى يعود كما ولدته أمه".
ويجاب بأن قول ابن عمر - رضي الله عنه - لا حجة فيه، وبأن حديث جابر مع كونه ضعيفًا لا يدل على المطلوب، وهو المنع من التظلل ووجوب الكشف؛ لأن غاية ما فيه أنه أفضل، على أنه يبعد منه - صلى الله عليه وسلم - أن يفعل المفضولَ ويدع الأفضل مقام التبليغ.
قلت: هذا ليس ببعيد؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - فعل بعض الأفعال المفضولة لبيان الجواز وتيسيرًا على الأمة، وقد أخرج هذا الحديث مسلم من طريق معقل عن زيد بن أبي أنيسة بهذا السند: قال: سمعتُها تقول: حججت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع، فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف، وهو على راحلته، ومعه بلال وأسامة، أحدهما يقول براحلته، والآخر رافع ثوبه على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الشمس، قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولًا كثيرًا، الحديث.
(٣٤)(بَابُ الْمُحْرِمِ) هل (يَحْتَجمُ؟ )
١٨٣٥ - (حدثنا أحمد بن حنبل، نا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عطاء وطاوس، عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم (٢) وهو محرم).
(١) "السنن الكبرى" (٥/ ٧٠). (٢) والاحتجام في الرأس كان في حجة الوداع بموضع يقال له: لَحْيَي جمل، والاحتجام =