{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}(١) , ولهذا قال بعض العلماء: إن هذه الآية ناسخة لتلك.
وفيه إشكال آخر؛ وهو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر:"من قتل قتيلًا فله سلبه"، وسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قتل سعيد بن العاص، وأخذ سيفه، فكان هو أحق به، فكيف منعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ثم لما كان لم ينزل حكم في الغنيمة، فكيف قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من قتل قتيلًا فله سلبه"؟ فالسلب كان من جملة الغنيمة، ولم ينزل فيه حكم الله، فكيف جعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للقاتل؟ .
ويمكن أن يقال في الجواب عنه: إن الغنيمة كانت حرامًا على الأمم السابقة، بل كانت النار تأتيها فتأكلها، وكانت هذه علامة القبول، وظن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن دينه وشريعته مبناه على اليسر، والتشديدات التي كانت في الأمم السالفة لم تبق في أمته، فتحل الغنائم لأمته.
ثم قد أشير إليه في قوله تعالى:{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} الآية (٢)، وكذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}(٣)، فحرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في بدر بقوله: "من قتل قتيلًا فله سلبه"، على معنى أن يكون له سلبه بحكم الله تعالى إن شاء الله تعالى، وينتظر نزول الحكم بذلك، وسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - سأله السيف قبل نزول الحكم في الغنيمة، فمنعه - صلى الله عليه وسلم -، ثم نزل حكمه في قوله:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ... } الآية، بأنه مفوض إلى رأيه - صلى الله عليه وسلم - فجعله له، وكذلك كل من قتل قتيلًا أعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلبه له، والله تعالى أعلم.
(١) سورة الأنفال: الآية ٤١. (٢) سورة النساء: الآية ٨٤. (٣) سورة الأنفال: الآية ٦٥.