في الدماء"، فحديث الباب محمول على حق الله تعالى على العبد، وحديث الصحيح في حق الآدميين فيما بينهم، فإن قيل: فأيهما يقدم، محاسبة العباد على حق الله تعالى، أو محاسبتهم على حقوقهم، فالجواب: أن هذا أمر توقيفي، فظواهر الأحاديث دالة على أن الذي يقع أولًا المحاسبة على حقوق الله تعالى.
قلت: الأول أن هذا الحديث مضطرب (١)، قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (٢) في ترجمة أنس بن حكيم الضبي البصري: روى عن أبي هريرة، وعنه الحسن وابن جدعان (٣)، ذكره ابن المديني في المجهولين، من مشايخ الحسن، والحديث الذي روياه له في الصلاة مضطرب.
قلت: اختلف فيه على الحسن فقيل عنه هكذا، وقيل: عنه عن حريث بن قبيصة، وقيل: عنهِ عن صعصعة عم الأحنف، وقيل: عنه عن رجل من بني سليط، وقيل: عنه غير ذلك، والله أعلم، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن القطان: مجهول، انتهى.
فلما كان حال رواة حديث الباب هذا فكيف يقاوم حديث الصحيح؟ ولو سلم فليس بينهما تعارض؛ لأن لفظ حديث الصحيح: "أول ما يقضى"، ولفظ حديث الباب: "أول ما يحاسب"، فيمكن أن يكون المحاسبة أولًا في الصلاة ويكون القضاء أولًا في الدماء، فلا تعارض بينهما (٤).
(١) قلت: لكن له طرق عند النسائي. [انظر: "سنن النسائي" (١/ ٢٣٢)]. (ش). (٢) (١/ ٣٧٤). (٣) كذا في "تهذيب الكمال" (١/ ٢٨٧) رقم (٥٥٦) "عنه: الحسن وابن جدعان" وهو الصواب، ووقع في "تهذيب التهذيب": وعنه الحسن بن جدعان وهو تحريف. (٤) قلت: لكن ظاهر حديث البخاري أن قصاص المظالم يكون بعد التخلص عن النار، فتأمل، والبسط في "اللامع" (١٠/ ٩٨). (ش).