(لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا ... وأخو الحرب مَنْ أطاقَ النزولا)(١٢٣)
فخرجت إلى أصحابي، فأخبرتهم، فقالوا، هذا بارد. فرجعت إلى سالم، فقلت له: يا أبا عمر - جعلني الله فداك - آخر، فقال: ما لي ولك؟ فلم أملكه حتى غنيت:
(غيَّضْنَ من عبراتِهنَّ وقُلنَ لي ... ماذا لَقِيتَ من الهوى ولَقِينا)(١٢٤)
فقال سالم: مهلاً مهلاً، فقلت له: ما أسكت إلا بذاك السِّنْدِيّ الذي بين يديك (٢٣١) وفيه تمر عجوة، من تمر صدقة عمر، فقال: هو لك، فأخذته وخرجت على أصحابي، فقالوا لي: ما خبرك؟ فقلت: غنيت الشيخ حتى طرب وأعطاني هذا. وإنما كان أعطانيه لأسكت.
وقال مصعب الزبيري: خرج سالم بن عبد الله متنزهاً إلى ناحية / من ١٩٩ / أنواحي المدينة، هو وحرمه وجواريه. وبَلَغَ أشعب الخبرُ فوافى الموضع الذي هم به، يريد التطفيل، فصادف الباب مغلقاً، فتسوّر الحائط، فقال له سالم: ويلك يا أشعب، معي بناتي وحرمي، فقال:(لقد علمت ما لنا في بناتك من حقٍّ، وإنك لتعلم ما نريد) ، فوّجه إليه من الطعام، فأكل (١٢٥) وحمل إلى منزله.
وقدم أشعب على يزيد بن حاتم (١٢٦) مصر، فجلس في مجلسه مع الناس، فدعا يزيد بن حاتم مولى له، يقال له: دفيف، فسّاره بشيء، فقام أشعب، فقبل يد يزيد بن حاتم، فقال له يزيد: لم فعلت هذا؟ قال: رأيتك تُسارُّ غلامك وقهرمانك، فعلمت أنك قد أمرت لي بصلة، فأردت أن أشكرك على ذلك، فقال: ما فعلته، ولكني أفعل الآن. وأمر له بصلة.
(١٢٣) للمهلهل في العقد الفريد ٥ / ٢١٧ والأغاني ٥ / ٥٧. وينظر السمط ٧٨٩. (١٢٤) لجرير، ديوانه ٣٨٦ وللمعلوط الأسدي في شرح ديوان الحماسة (م) ١٣٨٢. (١٢٥) ك: ما أكل. (١٢٦) أمير، قائد، ولي مصر سنة ١٤٤ هـ للمنصور، ت ١٧٠. (الولاة والقضاة ١١١، النجوم الزاهرة ٢ / ١، حسن المحاضرة ١ / ٥٨٩) .