قال أبو بكر: قال قطرب [محمد] بن المستنير (٢) : معناه اللهم غطِّ علينا ذنوبنا. قال: وهو مأخوذ من قول العرب: قد غفرت المتاع في الوعاء أغفره غفرا، ويقال: اغفر متاعك في الوعاء، أي: غطه فيه.
قال أبو بكر: وسمعت أبا العباس يقول: تقول العرب: [قد] غفر الرجل في مرضه يغفر غفراً إذا نُكِسَ في مرضه، فكأن المرض غطَّى عليه. واحتج بقول الشاعر (٣) :
(خليلي إنَّ الدارَ غَفْرٌ لذي الهوى ... كما يغفرُ المحمومُ أو صاحبُ الكَلْمِ)
ومن ذلك قوله عز وجل:{واستغفروا ربكم}(٤) ، معناه: سلوا ربكم أن يغطي عليكم ذنوبكم. ومن ذلك قوله:{أنِ اعبدوا الله واتقوه وأطيعونِ يَغْفِرْ لكم من ذنوبكم}(٥) . معناه: يغطي عليكم ذنوبكم. (٨ / أ)
قال الكِسائي (٦) وهشام (٧) وغيرهما: / (من) في هذا الموضع زائدة، وذهبوا إلى أنها مؤكدة للكلام، والمعنى عندهم: يغفر لكم ذنوبكم. وقالوا: هو بمنزلة قوله: {ولهمْ فيها منْ كلِّ الثمراتِ}(٨) ، والمعنى: ولهم فيها كل الثمرات واحتجوا بقوله عز وجل: {قُلْ للمؤمنينَ يغضوا من أبصارهم}(٩) ، فالمعنى:
(١) الفاخر ١٣٤، اللسان والتاج (غفر) . (٢) توفي سنة ٢٠٦ هـ (طبقات النحويين ٩٩، نور القبس ١٧٤: أخبار النحويين ٣٨) . (٣) المرار الفقعسي، شعره: ١٧٦. (٤) هود ٩٠. (٥) نوح ٣، ٤ (٦) علي بن حمزة، إمام أهل الكوفة في النحو، وأحد القراء السبعة، توفي ١٨٩ هـ. (نور القبس ٢٨٣، الأنباه ٢ / ٢٥٦، البغية ٢ / ١٦٢) . (٧) هشام بن معاوية الضرير، أخذ عن الكسائي، توفي سنة ٢٠٩ هـ. (نزهة الألباء ١٦٤. أنباه الرواة ٣ / ٣٦٤، وفيات الأعيان ٦ / ٨٥) . (٨) محمد ١٥. (٩) النور ٣٠.