أَنَّ النَّبِيَّ (١) - صلّى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِلِصٍّ قَدِ اعْتَرَفَ اعْتِرَافًا، وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلّى الله عليه وسلم -: "مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ" قَالَ: بَلَى، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ وَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ:"اسْتَغْفِرِ اللهِ وَتُبْ إلَيْهِ"، فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ الله وَأَتُوبُ إلَيْهِ، فَقَالَ:"اللهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ - ثَلَاثًا -". [ن ٤٨٧٧، جه ٢٥٩٧، حم ٥/ ٢٩٣، دي ٢٣٠٧]
===
(أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بلصٍّ قد اعترف اعترافًا، ولم يوجد معه متاع، فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: ما إخالك)(٢) أي ما أظنك (سرقتَ) قيل: أراد بذلك النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - تلقينَ الرجوع عن الاعتراف، وللإمام ذلك في السارق إذا اعترف، كما تشير إليه ترجمة المصنِّف، ومن لا يقول به يقول: لعلّه ظن بالمعترف غفلة عن معنى السّرقة وأحكامها، أو لأنه استبعد اعترافه بذلك لأنه ما وجد معه متاع، كذا في السندي (٣) على "النسائي".
(قال: بلى) أي سرقتُ (فأعاد عليه مرتين أو ثلاثًا، فأمر به فقطع) يده، (وجيء به) بعد القطع (فقال) رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: (استغفر الله وتب إليه، فقال) الرَّجل: (أستغفر الله وأتوب إليه)، وهذا يدلُّ على أن (٤) الحدّ ليس بكفارة للذنوب، والكفارة هي التوبة (فقال) - صلّى الله عليه وسلم -: (اللهُمَّ تب عليه، - ثلاثًا-).
(١) في نسخة: "رسول الله". (٢) قال القاري في "المرقاة" (٧/ ٢٠٠): بكسر الهمزة وفتحها، والكسر هو الأفصح، وأصله الفتح، قلبت الفتحة بالكسرة على خلاف القياس، ولا يفتح همزتها إِلَّا بنو أسدّ، فإنهم يجرونها على القياس. (٣) انظر: "حاشية السسندي على سنن النسائي" ح (٤٨٧٧). (٤) قال القاري (١/ ١٧٥) في حديث عبادة: "من أصاب من ذلك شيئًا فعُوقب في الدنيا فهو كفارة": ومنه أخذ أكثر العلماء أن الحدود كفارات، وحديث: "لا أدري الحدود كفارات أم لا"؟ قبل العلم بذلك. اهـ. وذكر العيني (١/ ٢٤٠ وما بعدها) مؤيدات لحديث عبادة أن الحدود كفارات، قلت: ويؤيد الحنفيةَ حديثُ الباب، وقولُه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ ... } الآية، ففيها عذاب الآخرة مع عذاب الدنيا, ولذا اضطر صاحب "تفسير الجمل" (١/ ٤٨٧) بتأويل الآية بالكافر، أو بمن لم يقم عليه الحدّ. (ش).