وقد أخرج ابن جرير الطبري (١) هذا الحديث: حدثنا أبو كريب قال: ثنا زيد بن الحباب قال: ثني عبد المؤمن بن خالد الحنفي قال: ثني نجدة الخراساني قال: سمعت ابن عباس وسئل عن قوله: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}، قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استنفر حيًا من أحياء العرب، فتثاقلوا عنه، فأمسك عنهم المطر، فكان ذلك عذابهم، وكذلك (٢) قوله: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}.
قلت: أورد المصنف في هذا الباب حديثين، أحدهما عن عكرمة عن ابن عباس، وهو يدل على أن قوله تعالى:{إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}، وقوله تعالى:{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ} منسوخان، نسخهما قوله تعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}.
والحديث الثاني أخرج من طريق نجدة بن نفيع عن ابن عباس، وهو يدل على أن هذين الآيتين غير منسوختين، بل هما ثابتتا الحكم، فإن قوله تعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}، وقوله تعالى:{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ} نزلا في قوم خاص استنفرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتثاقلوا، وهذا الحكم خاص بهم، وبإمام استنفر القوم عند الحاجة، فلم ينفروا وتثاقلوا.
وأما قوله تعالى:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}، فورد في النهي عن خروج الجميع كلهم، فليس فيها نسخ حكم بحكم آخر، فكأن المصنف أشار إلى ما وقع من الاختلاف في رواية ابن عباس.
(١) "تفسير الطبري" (١٠/ ١٥٣). (٢) وفي "تفسير الطبري" فذلك.