عيرًا وثورًا ارتجالًا، وقيل (١): إن عيرًا جبل بمكة، فيكون المراد: أُحرِّم من المدينة مقدارَ ما بين عير وثور بمكة، على حذف المضاف ووصف المصدر المحذوف.
وقال النووي: يحتمل أن يكون ثور كان اسم جبل هناك إما أحُد وإما غيره، وقال المحب الطبري في "الأحكام": قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري: أن حذاء أحد عن يساره جانحًا إلى ورائه جبل صغير يقال له: ثور، وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال، فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور، وتواردوا على ذلك، قال: فعلمنا أن ذكر ثور في الحديث صحيح، وأن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه، قال: وهذه فائدة جليلة، انتهى.
وقرأت بخط شيخ شيوخنا القطب الحلبي في "شرحه": حكى لنا شيخنا الإِمام أبو محمد عبد السلام بن مزروع البصري أنه خرج رسولًا إلى العراق، فلما رجع إلى المدينة كان معه دليل، وكان يذكر له الأماكنَ والجبالَ، قال: فلما وصلنا إلى أحد إذًا بقربه جبل صغير، فسألته عنه فقال: هذا يسمى ثورًا.
قال الحافظ: وذكر شيخنا أبو بكر بن حسين المراغي في "مختصره لأخبار المدينة": أن خَلَفَ أهل المدينة ينقلون عن سَلَفهم أن خَلْفَ أحد من جهة الشمال جبلًا صغيرًا إلى الجمرة بتدويرٍ يسمى ثورًا، وقد تحققته بالمشاهدة، انتهى.
قلت: وقال المجد في "القاموس"(٢): وثور جبل بالمدينة، ومنه الحديث الصحيح:"المدينة حرم ما بين عير إلى ثور"، وأما قول أبي عبيد بن سلام وغيره من الأكابر الأعلام: إن هذا تصحيف، والصواب إلى أحد؛ لأن ثورًا
(١) ذكره ابن الأثير في "النهاية" (٣/ ٣٢٨). (٢) "القاموس المحيط" (١/ ٤٢٧).