لما تشاغل بمخاطبة سليك سقط فرض الاستماع عنه، إذ لم يكن منه حينئذ خطبة لأجل تلك المخاطبة، وادعى أنه أقوى الأجوبة، قال: هو من أضعف الأجوبة؛ لأن المخاطبة لما انقضت رجع - صلى الله عليه وسلم - إلى خطبته، وتشاغل سليك بامتثال ما أمر به من الصلاة، فصح أنه صلى في حالة الخطبة.
قلت: يرد ما قاله من قوله هذا ما في حديث أنس الذي رواه الدارقطني (١) الذي ذكرنا عنه أنه قال: والصواب أنه مرسل، وفيه:"وأمسك -أي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخطبة حتى فرغ من صلاته" يعني سليك، فكيف يقول هذا القائل: فصح أنه صلَّى في حال الخطبة، والعجب منه أنه يصحح الكلام الساقط؟ .
وقال أيضًا: قيل: كانت هذه القضية قبل شروعه - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة، ويدل عليه قوله في رواية الليث عند مسلم (٢): "والنبي - صلى الله عليه وسلم - قاعد عند المنبر" وأجيب: بأن القعود على المنبر لا يختص بالابتداء، بل يحتمل أن يكون بين الخطبتين أيضًا.
قلت: الأصل ابتداء قعوده، وقعوده بين الخطبتين محتمل فلا يحكم به على الأصل، على أن أمره - صلى الله عليه وسلم - إياه بأن يصلي ركعتين وسؤاله إياه: هل صليت؟ وأمره للناس بالصدقة، يضيق عن القعود بين الخطبتين, لأن زمن [هذا] القعود لا يطول.
وقال هذا القائل أيضًا: ويحتمل أن يكون الراوي تجوز في قوله: "قاعد".
قلت: هذا ترويج لكلامه ونسبة الراوي إلى ارتكاب المجاز مع عدم الحاجة والضرورة.