أبي هريرة (١) عندنا صلَّى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني بالمسلمين، وهذا جائز في اللغة، ثم استشهد عليه بقول النزال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو لم يدركه، وبقول طاوس: قدم علينا معاذ بن جبل، وهو لم يحضره، وبقول الحسن: خطبنا عتبة بن غزوان، وهو لم يشهده، إنما يريدون بذلك قومهم وأهل بلدتهم، فكذلك قول أبي هريرة في حديث ذي اليدين: صلَّى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يريد به صلَّى بالمسلمين.
واعترض عليه البيهقي في "المعرفة" بأن هذا ترك الظاهر على أنه رواه يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يجز في هذا القول معناه صلَّى بالمسلمين، انتهى ملخصًا.
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(٢): ويدفع المجاز الذي ارتكبه الطحاوي ما رواه مسلم وأحمد وغيرهما من يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة في هذا الحديث، عن أبي هريرة بلفظ:"بينما أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".
قلت: لم يترك الظاهر إلَّا بالقرينة الصارفة القوية، وقد أسلفناها، وقد ارتكبها البيهقي أيضًا في "السنن الكبرى" في باب البيان أن النهي مخصوص ببعض الأمكنة فيما رواه عن مجاهد قال: جاءنا أبو ذر إلى آخره، ثم قال مجاهد: لا يثبت له سماع عن أبي ذر، وقوله: جاءنا، يعني جاء بلدنا.
قلت: وأما قوله: بينما أنا أصلي، فليس بمحفوظ، ولعل بعض رواة هذا الحديث فهم من قول أبي هريرة: صلَّى بنا، أنه كان حاضرًا، فروى هذا الحديث بالمعنى على ما زعمه، وقد أخرجه مسلم من خمس طرق، فلفظه في طريقين:"صلَّى بنا"، وفي طريق:"صلَّى لنا"، وفي طريق: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
(١) وقال أبو هريرة: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفطر إذا أصبح الرجل جنبًا كما في "الإكمال" و"الأوجز" (٥/ ٧٨)، وجزم الحافظ بمثل هذا المجاز في الحديثين. (ش). (٢) (٣/ ٩٧).