أجل أن بوله ليس بنجس, ولكنه من أجل التخفيف في إزالته، فهذا هو الصواب، وأما ما حكاه أبو الحسن بن بطال ثم القاضي عياض عن الشافعي وغيره أنهم قالوا: بول الصبي طاهر فينضح، فحكاية باطلة قطعًا.
قال الشوكاني (١): وأحاديث الباب ترد المذهب الثاني والثالث، وقد استدل في "البحر" لأهل المذهب الثالث بحديث عمار المشهور، وفيه:"إنما تغسل ثوبك من البول ... إلخ"، وهو مع اتفاق الحفاظ على ضعفه لا يعارض أحاديث الباب, لأنها خاصة، وهو عام، قلت: أحاديث الباب لا ترد الثالث، فإن الأحاديث لا تدل على عدم الغسل، فإن النضح الوارد في الحديث غسل (٢) وصب، وقوله:"ولم يغسله" محمول على المبالغة في الغسل، لئلا يتعارض القولان، وليس هذا خلاف الظاهر.
قال الإِمام الطحاوي (٣): ذهب قوم إلى التفريق بين حكم بول الغلام وبول الجارية قبل أن يأكل الطعام، فقالوا: بول الغلام طاهر، وبول الجارية نجس.
وخالفهم في ذلك آخرون، وسووا بين بوليهما جميعًا، وجعلوهما نجسين، وقالوا: قد يحتمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " بول الغلام ينضح"، إنما أراد بالنضح صب الماء عليه، فقد تسمي العرب ذلك نضحًا.
ثم قال بعد ما نقل من الروايات (٤): فلما كان ما ذكرناه كذلك ثبت
(١) "نيل الأوطار" (١/ ٧٠). (٢) كما جزم به الشافعي وأحمد في نضح ما لم تر من أثر الدم، والشافعي ومالك في نضح المذي. (ش). (٣) "شرح معاني الآثار" (١/ ٩٢). (٤) أي الواردة بلفظ الصب في بول الغلام. (ش).