الدليل الثالث: أنَّ أهل المدينة ما كانوا ينهون عن أكل ذي المخلب من الطير، قال الإمام مالك ﵀:«لم أسمع أحدًا من أهل العلم قديمًا ولا حديثًا بأرضنا ينهى عن أكل كل ذي مخلب من الطير»(١).
الفرع الثالث: حكم أكل الحشرات (٢).
تحرير محل النزاع:
لا خلاف بين المذاهب الأربعة في تحريم أكل الحشرات السامة إذا لم يؤمن الضرر في أكلها (٣)، ولكن اختلفوا في أكل الحشرات إذا لم تضر، وهي على قسمين:
القسم الأول: الجراد، فهذا يجوز أكله بإجماع العلماء كما تقدَّم.
القسم الثاني: ما سوى الجراد من الحشرات؛ كالعقرب، والخنفساء، والنمل، والضب، والقنفذ (٤)،
(١) نقل ذلك عنه ابن بطال، وابن عبد البر. انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (٥/ ٤٤٠)، التمهيد لابن عبد البر (١/ ١٥٤). (٢) الحشرات هي «صغار دواب الأرض وصغار هوامها». انظر: المطلع على ألفاظ المقنع (ص: ٤٦٤)، حياة الحيوان الكبرى (١/ ٣٣٣). (٣) أما الجمهور فيمنعون أصل الحشرات على ما سيأتي، وأما المالكيَّة فانظر: تحبير المختصر على مختصر خليل (٢/ ٣٢٦)، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (٣/ ٢٣٠). تنبيه: نص المالكيَّة على أن أمن السم هو بالنسبة لمستعملها، فإن كان ينفعه السم لمرض أو نحوه جاز. انظر: شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني (٣/ ٤٦)، الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (٢/ ١١٥). (٤) نص علماء الحنفيَّة والشافعيَّة وغيرهم على أن الضب والقنفذ من الحشرات؛ ولذا ذكرته في تحرير محل النزاع. انظر: غريب الحديث لإبراهيم الحربي (١/ ٢٨٣)، فتح القدير (٩/ ٥٠٠)، تكملة حاشية ابن عابدين (٦/ ٣٠٤)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (٦/ ١٥٤). والقنفذ: دويبة أكبر من الفأر، كلها شوك إلا رأسها وبطنها ويديها ورجليها. انظر: حياة الحيوان الكبرى (٢/ ٣٦٠)، جواهر الدرر في حل ألفاظ المختصر (٣/ ٤٢٥)، الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (٢/ ١١٥).