ووجه الدلالة من الحديث: أنَّ الاستحاضة نوع مرض (٢)، فإذا جاز الجمع في النوع وهو الاستحاضة جاز في الجنس وهو المرض من باب أولى.
الدليل الثالث: أنَّ المكلف المريض أشدَّ حاجة إلى الجمع بين الصلاتين من المسافر، والسفر من الأعذار التي يجمع فيها عند جمهور العلماء (٣).
[الفرع الثاني: حكم الجمع للشغل.]
تحرير محل النزاع:
تقدم اتفاق المذاهب الأربعة على أنَّ الجمع بين الصلاتين لا يجوز إلا بعذر، واختلفوا هل الشغل المبيح لترك الجمعة والجماعة (٤) عذر يبيح الجمع بين
(١) أخرجه أبو داود في (كتاب الطهارة، باب إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة) (١/ ١١٦) رقم (٢٨٧)، والترمذي في (أبواب الطهارة عن رسول الله ﷺ، باب في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد) (١/ ١٦٩) رقم (١٢٨)، وابن ماجه في (أبواب التيمم، باب ما جاء في البكر إذا ابتدأت مستحاضة أو كان لها أيام حيض فنسيتها) (١/ ٣٩٧) رقم (٦٢٧). والحديث حسَّنه البخاري، وصححه الترمذي والحاكم، والنووي. انظر: المستدرك للحاكم (١/ ٢٧٩)، خلاصة الأحكام (١/ ٢٣٧)، فتح الباري لابن رجب (١/ ٤٣٢). نكتة: قال ابن الملقن في البدر المنير (٣/ ٥٧) عن حديث حمنة ﵂: «هذا الحديث أصل عظيم في الباب وعليه مداره» يعني في باب الحيض. (٢) انظر: الممتع في شرح المقنع لابن المنجى (١/ ٥١٣)، المبدع في شرح المقنع (٢/ ١٢٥). (٣) انظر: الفروع وتصحيح الفروع (٣/ ١٠٤)، كشَّاف القناع (٢/ ٦). (٤) يفرد الحنابلة فصلًا في باب الجماعة يذكرون فيه الأعذار المبيحة لترك الجمعة والجماعة، ويوردون في هذا الفصل صورًا كثيرة يجوز فيها للمكلف ترك الجماعة. انظر: كشَّاف القناع (١/ ٤٩٥). وأنبه إلى أن هذا الأمر فيه دلالة بينة على سعة الحنابلة في باب الجمع وذلك أنه يجوز -عند الحنابلة- الجمع لأجل كل عذر يبيح ترك الجماعة، فتكون هذه الصور على سعتها داخلة في صور الجمع الجائز. وهنا مسألة وهي أنَّ ترك الجماعة يجوز لأجل غلبة النعاس كما نصَّ على ذلك علماء الحنابلة، فعلى هذا يجوز الجمع أيضًا لغلبة النعاس؛ لأنَّ كل عذر يبيح ترك الجماعة يبيح الجمع عند الحنابلة أيضًا، غير أن الحجاوي قال في الإقناع: «واستثنى جمعٌ النعاس» يعني في عدم جواز الجمع مع النعاس، والظاهر -والله أعلم- أنَّ هذا الاستثناء مرجوح عند المتأخرين لأمرين، الأول: أن المرداوي -في التنقيح- وابن النجار -في المنتهى- لم ينصا على هذا الاستثناء، وأطلقا القول بجواز الجمع لكل عذر يبيح ترك الجماعة. والثاني: أنَّ الحجاوي قدم القول بعدم الاستثناء ثم ذكر الاستثناء منسوبًا إلى جمع، ولعل هذا إشارة منه إلى رجحان عدم الاستثناء. وخلاصة الأمر: يجوز الجمع بين الصلاتين لغلبة النعاس عند الحنابلة، وهذا مشعر بعظيم اتساعهم في الباب. والله أعلم. انظر: التنقيح المشبع (ص: ١١٤)، الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (١/ ١٨٣)، شرح منتهى الإرادات (١/ ٢٩٨).